أبوعبيدة بين الارتقاء والانحدار!

عرفناه بصوته الخجول، يقول حين يجب أن يقول، ويصمت عندما يتكلم البلهاء، عاش معنا فردا راقيا ضمن عائلة الشرف والكرامة، يطل علينا، خفيف الظل، ليقول ما ثقل على الجبال حمله، ما ردّ الصاع صاعًا، ولا نصف صاع. استكثروا عليه حتى اسم أمين الأمة وشهيد طاعون عمواس، فأطلقوا عليه نبزا لقب الملثم والمدمّر والمنوّم والمخدّر، ونصحوه […] The post أبوعبيدة بين الارتقاء والانحدار! appeared first on الشروق أونلاين.

سبتمبر 5, 2025 - 19:58
 0
أبوعبيدة بين الارتقاء والانحدار!

عرفناه بصوته الخجول، يقول حين يجب أن يقول، ويصمت عندما يتكلم البلهاء، عاش معنا فردا راقيا ضمن عائلة الشرف والكرامة، يطل علينا، خفيف الظل، ليقول ما ثقل على الجبال حمله، ما ردّ الصاع صاعًا، ولا نصف صاع.
استكثروا عليه حتى اسم أمين الأمة وشهيد طاعون عمواس، فأطلقوا عليه نبزا لقب الملثم والمدمّر والمنوّم والمخدّر، ونصحوه بـ”أن يجاهد بالسنن”، وقالوا عنه، ما لم يقولوه عن “نتانياهو”، حتى حسبنا الرجل طاعون عمواس وليس شهيد طاعون عمواس.
أعلنها مع رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، إما نصرا لأجل تحرير الأقصى، أو شهادة سمّاها ارتقاء، إلى حيث لا نزول ولا انحدار ولا انبطاح أبدا.
فتسابق الشهداء وتنوعوا بين أطفال وشيوخ ونساء ومرضى ومثقفين ومقاومين وقادة، وكان أبو عبيدة يزفهم ارتقاء، ويحز في نفسه أنه لم يرافقهم في رحلة الارتقاء.
قصة أبي عبيدة ورفاقه لم تختلف كثيرا عن قصة أبي عبيدة فجر الإسلام ورفاقه، ولكن الفارق أن لأبي عبيدة في العصر المحمدي، أبا جهل واحدا وعتبة ابن ربيعة وأمية ابن خلف والوليد ابن المغيرة وأبا لهب، ولأبي عبيدة الزمن الغزاوي قطاع واسع من الجهلة والعتبيين والوليديين واللهبيين، من الذين وضعوا أيديهم وأموالهم في أيدي القتلة وقالوا لهم اذهبوا أنتم وشياطينكم لتقاتلوا، إنا معكم مقاتلون.
كميّة الحقد الذي ظهر وبان، مع أولى ابتسامات نتانياهو تفاؤلا بإمكانية اغتيال المرتقي في حياته “أبوعبيدة”، من إعلام و”رجال دين” و”مفكرين” حسبناهم قطعة من الأمة، هو أخطر من الإبادة التي يتعرض لها العِرق الفلسطيني. فقد كنا في زمن الخيانات الكبرى نرفض بيانات التنديد بالأعداء، ونرفض مساندة المقاومة بالعبارات الرنانة، ونعتبرها جبنا، ألا نخوض المعركة مع الخائضين، وما كنا نظن أن فئة من الأمة ستنزل إلى هذا الحضيض، تحتفل مع رجل أخذ كل نتانة الإنسان والحيوان من اسمه، وتبتهج بأخبار غير مؤكدة عن استشهاد بطل من أمتها لم يقل كلمة عنها، وقد سمع كل ما قالته عنه من رذائل الكلام.
لكل بداية في أي انحدار، نهاية، وقاع البئر لا بدّ من أن يكون، لكن انحدار تلك الفئة المنحرفة، منذ صيحة طوفان الأقصى، ما ظهر له قاع ولا نهاية، فكلما قلنا بأن السقوط الحر للقيم والمشاعر قد بلغ مداه، خرج قوم من الأمة، أعلنوه نزولا من دون فرامل، وانبطاحا من دون رفع رأس، ومجونا إلى آخر العمر.
تروي كتب التاريخ أن أبا عبيدة بن الجراح، كان أول من دافع عن رسول الإسلام، عندما أصيب في غزوة بدر، وأول من زحف نحو جيش الروم المنتشي، بعد الخسارة الأولى في اليرموك وهو من قال: “وددت أني كبش فذبحني أهلي، فأكلوا لحمي، وحسوا مرقي”.
وستروي كتب التاريخ بعد حين، أن أبا عبيدة الزمن “التعيس”، دافع عن الإسلام فأقدم وما أدبر أبدا، وبقي في مكانه رافضا الاستسلام، وقد سقط أمامه يحيى وإسماعيل وحسن ومحمد وآخرون، وتمنى اللحاق بهم، ومع ذلك رفضوه.. عفوا نبذوه وهجوه ولعنوه.

شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين

The post أبوعبيدة بين الارتقاء والانحدار! appeared first on الشروق أونلاين.