أين غزة في الاتفاق؟
أ.د. وليد عبد الحي/ شكل اعلان ترامب عن اتفاق لوقف إطلاق النّار بين إيران وإسرائيل موضوعا ملتبسا في دلالاته، بخاصة بعد هجمات متبادلة بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة، ويدعي كلّ طرف أنّ له اليد العليا من ناحية ويهون من نتائج ما تلقاه من ضربات من ناحية أخرى، وهو أمر لا يمكن لأيّ محلل أن يبني …

أ.د. وليد عبد الحي/
شكل اعلان ترامب عن اتفاق لوقف إطلاق النّار بين إيران وإسرائيل موضوعا ملتبسا في دلالاته، بخاصة بعد هجمات متبادلة بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة، ويدعي كلّ طرف أنّ له اليد العليا من ناحية ويهون من نتائج ما تلقاه من ضربات من ناحية أخرى، وهو أمر لا يمكن لأيّ محلل أن يبني عليه استنتاجات دقيقة، فترامب الذي أجد أنّه أقرب لشخصية رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى الأسبق جان بيدل بوكاسا لا تستطيع أن تبني تحليلا للوقائع استنادا لأقواله، وهذا ليس تطاولاً على مقامه الرئاسي، لكنه مريض حقيقي بالنرجسية بشهادة أكثر من 30 عالما وطبيبا نفسيا، 76% ممّا يقوله كذب بواح، يميل للمبالغة في كلّ ما يفعله، فهو يدعي الآن أنّه أنهى البرنامج النووي الإيراني، وأخشى أن يكون ذلك على غرار وعوده بإنهاء الحرب الأوكرانية بعد يوم من توليه منصبه، أو وعوده بتركيع الصين تجاريًا، وكذبه أنه هو من أنهى المعارك بين الهند وباكستان ومؤخرًا ومشروعه بتحويل غزة إلى ريفيرا…الخ، وبالمقابل تدعي إيران أنّها أصابت قاعدة العديد إصابات تصل إلى حد التدمير، وأمريكا تقول لم يصب لنا أي شخص أو عتاد، وتروج أخبارا عن أن كلا منهما أبلغ الآخر مسبقا بضرباته.. إنّه مشهد سريالي.
الآن يعلن ترامب وقفا لإطلاق النّار بين إيران وإسرائيل، وفي هذا الصباح وقبل أن يتوارى صدى تصريحات ترامب تساقطت الصواريخ على حيفا وبئر السبع وتل ابيب، وخرج ترامب يكتب على صفحته هنيئًا لإسرائيل وإيران والعالم بالسلام… كلّ ذلك يعني أنّ من المغامرة أن تبني تحليلاً على أساس ما يقول «بوكاسا الأمريكي».
من الجانب الإيراني، لا أحد يستطيع إنكار أن إيران أوقعت أذى في إسرائيل لكن أبرز ما في المشهد الإيراني في مجال المواجهة هو عمق الخرق الأمني في بنائها العلمي والعسكري، ويبدو أن إسرائيل أصبحت أكثر ميلاً لتوسيع نطاق شبكات التجسس وجمع المعلومات داخل إيران من التعويل على معارضة تطيح بالنّظام من ناحية، والعمل –من الجانب الإسرائيلي – على تقليم أظافر محور المقاومة من ناحية أخرى، ولعلّ انقلاب نعيم قاسم يشكل سنام إنجازاتها في هذا الجانب.
في تقديري، كان على إيران أن تركز وتستمر في ضرباتها لإسرائيل فقط، لأنّ فتح جبهات أخرى (بغض النّظر عن مصداقية أسباب ضرب جبهات أخرى) يشوش المشهد الإقليمي لغير صالحها، وييسر توريط أمريكا بشكل مباشر في المعركة، وهو الغاية الكبرى لنتينياهو، لذا فإنّ ضرب القواعد الأمريكية يعزز تيار الصقور في أمريكا، دون أن يُفهم من ذلك أنني افصل بين امريكا وإسرائيل (فهذا من مسلماتي)، ولكن التركيز على «القلب الإسرائيلي وتحديدا تل أبيب» يعطي نتائج أفضل للهدف الاستراتيجي الإيراني، ويعزز الضغط لاحتمال ربط غزّة بوقف إطلاق النّار.
في ظلّ كلّ هذا الإنكار المتبادل والتضليل ونقص المعطيات، يقفز السؤال التالي: أين غزّة في كلّ ذلك؟
1- أصبحت غزّة منذ بدأت المواجهة الإيرانية الإسرائيلية خبرًا عابرًا في كلّ وسائل الإعلام، رغم أنّ معدّل القتل اليومي ارتفع بشكل واضح قياسًا للمعدل قبل المواجهة الإيرانية الإسرائيلية، وفي تقديري، يشكل ذلك مكسبا إسرائيليًا لا لبس فيه.
2- إنّ اتفاق إطلاق النّار «الملتبس» الذي أعلنه ترامب غابت عنه غزة غيابا تاما، ولم تحظ غزّة بأية إشارة لا من الطرف الأمريكي ولا الإسرائيلي، فهل هذا يعني فصل المسار الغزي عن المواجهة الإيرانية الإسرائيلية؟ أم أنّ إعلان ترامب فيه بنود طي الكتمان؟ وهو أمر لا أستطيع استبعاده، بل أخشى أن يكون وقف إطلاق النّار مع إيران على غرار اتفاق حزب الله مع إسرائيل بتخلي الحزب عن استمرار مشاركته في المواجهة حتى وقف القتال في غزة.
3- هل سترد إسرائيل على ضربات إيران التي تلت إعلان ترامب عن وقف إطلاق النّار؟ بخاصة أنّ الضّربات كانت «غير هينة»، وفيها قتلى وجرحى وتدمير بل وإغلاق للمجال الجوي ..الخ.
أخشى ما أخشاه أن يكون ترامب ونيتنياهو عادا لخدعة جديدة، أو أنّ إيران تخفي مفاجأة ما… أو أنّ كلّ الأطراف عاجزة عن التوصل لحل يرضى الحد الأدنى من مطالب كلّ طرف.
بالنسبة لي، تحليل الحدث أو الاتجاه الفرعي أمر مربك، لكن تحليل الاتجاه الأعظم يخنق فرحي، فغياب غزّة عن بنود أي اتفاق يعني نصرا إسرائيليا، فدعونا ننتظر لنعرف ما تم الاتفاق عليه…. فربما .