سنغافورة… كيف نجحت جزيرة صغيرة بلا موارد في تحقيق نهضة استثنائية؟

ليست سنغافورة مجرد قصة نجاح آسيوية، بل تجربة مفصلية في التاريخ الاقتصادي والسياسي الحديث، فقد نجحت جزيرة صغيرة، بلا موارد طبيعية، ولا سوق داخلية، ولا عمق جغرافي، في إعادة تعريف مفهوم الدولة الحديثة عبر مزيج متقن من الانضباط المؤسسي، والتعليم الموجه، والتصنيع القائم على الكفاءة، ففي زمن كانت فيه الدول تنهض اعتمادا على الثروات الطبيعية […] The post سنغافورة… كيف نجحت جزيرة صغيرة بلا موارد في تحقيق نهضة استثنائية؟ appeared first on الشروق أونلاين.

يونيو 28, 2025 - 18:32
 0
سنغافورة… كيف نجحت جزيرة صغيرة بلا موارد في تحقيق نهضة استثنائية؟

ليست سنغافورة مجرد قصة نجاح آسيوية، بل تجربة مفصلية في التاريخ الاقتصادي والسياسي الحديث، فقد نجحت جزيرة صغيرة، بلا موارد طبيعية، ولا سوق داخلية، ولا عمق جغرافي، في إعادة تعريف مفهوم الدولة الحديثة عبر مزيج متقن من الانضباط المؤسسي، والتعليم الموجه، والتصنيع القائم على الكفاءة، ففي زمن كانت فيه الدول تنهض اعتمادا على الثروات الطبيعية واتساع الجغرافيا، اختارت سنغافورة مسارا مختلفا كليا؛ وهو أن تبني ثروتها من خلال الإنسان لا من الأرض، وأن تعتمد على التنظيم والعقلانية بدل الموارد الخام، وأن تكون دولة تصدّر المعرفة والصناعة، لا تستهلك ما ينتجه الآخرون.
وقد بدأ هذا التحوّل حين تحوّل القرار السياسي إلى أداة للتخطيط بعيد المدى، وتمت إدارة الاقتصاد بوصفه منظومة منسجمة، لا مجرد سياسات متفرقة وردود أفعال، فسنغافورة التي أسسها السير توماس ستامفورد رافلز عام 1819 كميناء بريطاني، واستُجلب إليها سكانها الأوائل من الصين والهند وجنوب شرق آسيا كعمال أو عبيد، لم ترث من الجغرافيا سوى موقعها، فلا موارد تحت الأرض، ولا ماء نقي، ولا غذاء يكفي، وعند استقلالها عام 1965، كانت تعتمد على القاعدة العسكرية البريطانية لتمويل ما يقارب ثلاثة أرباع ناتجها الإجمالي.

الانفصال المرير…
يصف لي كوان يو، قائد نهضة سنغافورة ومؤلف كتاب “سنغافورة …من العالم الثالث إلى العالم الأول”، تلك اللحظة المفصلية عقب الانفصال عن ماليزيا بأنها “لحظة مريرة”، جعلته يبكي علنا، لا خوفا من الاستقلال، بل من هول التحدي أمام جزيرة لا تملك شيئا سوى الإنسان والموقع الجغرافي، ويؤكد قائلا “حياة البلدان تشبه حياة الإنسان، فيها الحلو والمر، الماضي والحاضر، والتخطيط للمستقبل”.
لكن سرّ سنغافورة لم يكن في مواردها، بل في نموذج إدارتها، فقد بنت نهضتها على رؤية اقتصادية طويلة الأمد تقودها دولة مركزية كفؤة، صارمة في التخطيط، مرنة في التنفيذ، تنفتح على العالم لجذب الاستثمارات، وتؤسس لبنية تحتية ذات مستوى عالمي، غير أن الركيزة الأهم في ذلك كانت الاستثمار في الإنسان.
فكيف تحققت هذه النهضة تحت نظام سياسي حكم البلاد بنظام حزبي يشبه الحزب الواحد، ويرفع شعار الجدارة والكفاءة؟ وكيف تحوّلت جزيرة معزولة إلى مركز لوجستي عالمي، ومحور إقليمي للتمويل والتكنولوجيا والتدريب؟ بل كيف قفز اقتصادها من موقع الدول المتخلفة إلى مصاف الدول المتقدمة خلال أقل من نصف قرن؟
فريق استثنائي يقود جزيرة نحو الدولة
يروي سلطان عبد الرحمن الخليفي، في سياق حديثه عن وزير خارجية سنغافورة في بداياتها، سيناثامبي راجاراتنام، أن هذا الرجل المنحدر من أصول هندية، والذي تأثر بفكر “العصبية” عند ابن خلدون خلال دراسته في بريطانيا، كان يؤمن بأن “الدول والمؤسسات الناجحة لا تنهض إلا بقيادة حكيمة، يحيط بها وزراء نابهون، أمناء على الفكرة، يتقدمون نحو الهدف بتصميم جماعي لا فردي”.
ففي حين حفظت ذاكرة العالم لي كوان يو باعتباره مهندس النهضة السنغافورية، وقائد مسيرتها من جزيرة معدمة كان يُتوقع لها الفشل والانهيار، إلى واحدة من أكثر الدول تقدما واستقرارا، فإن الفضل لا يُنسب إليه وحده، فقد أحاط نفسه بفريق استثنائي من الكفاءات والنخب التي شاركته الحلم والعبء، ونجحوا معا في بناء كل شيء من لا شيء، في بلد لم يرث من الجغرافيا شيئا سوى موقعه.

شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين

The post سنغافورة… كيف نجحت جزيرة صغيرة بلا موارد في تحقيق نهضة استثنائية؟ appeared first on الشروق أونلاين.