في ذكرى ميلاد النّور
عشنا، قبل يومين، ساعات اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأوّل، يومٌ عاد بقلوبنا وأرواحنا 1500 سنة إلى الوراء، إلى ذلك الزّمان وذلك العام وذلك اليوم الذي ولد فيه الحبيب المصطفى –صلـى الله عليه وسلم-.. والحديث عن المولد هو حديث قلوب وأرواح وأشواق قبل أن يكون حديث ألسن وكلمات.. الحبيب –صلّى الله عليه وسلّم- نحبّه […] The post في ذكرى ميلاد النّور appeared first on الشروق أونلاين.


عشنا، قبل يومين، ساعات اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأوّل، يومٌ عاد بقلوبنا وأرواحنا 1500 سنة إلى الوراء، إلى ذلك الزّمان وذلك العام وذلك اليوم الذي ولد فيه الحبيب المصطفى –صلـى الله عليه وسلم-.. والحديث عن المولد هو حديث قلوب وأرواح وأشواق قبل أن يكون حديث ألسن وكلمات.. الحبيب –صلّى الله عليه وسلّم- نحبّه لأنّه حبيب الرّحمن ورسول رب العالمين وشفيع الخلق أجمعين، ولأنّه هادينا وشفيعنا، ونحبّه أيضا لأنّه قد اجتمع فيه من صفات الكمال البشريّ ما لم يجتمع في غيره.
لأنّ الله الكريم أراد لحبيبه المصطفى –صلّى الله عليه وسلّم- أن يكون نورا يضيء القلوب والدروب، فقد جعل ولادته نورا. لم تكن ولادته كولادة أيّ أحد من البشر، بل كانت ولادة مختلفة، حملت من المعاني ما هو كفيل بمعرفة قدر هذا النبيّ –عليه الصلاة والسّلام- وقدر الرّسالة التي بعث بها.
بداية القصّة، كانت برجل يدعى “عبد المطلب بن عبد مناف”، رأس بني هاشم وبني المطلب؛ رجل عرف بالأمانة والوفاء بالعهد، وكان شريفا مطاعا جوادا، وكانت قريش تسميه “الفياض” لسخائه، نذر لله لئن رزقه 10 من الأولاد الذّكور أن يذبح أحدهم لله، فكان له من الله ما أمّل وتمنّى. قرر أن يفي بنذره، فأقرع بين أبنائه، فوقعت القرعة على أصغرهم “عبد الله”، وكان أحبّ أبنائه إلى قلبه، فعزّ عليه أن يذبحه، فأقرع بينه وبين 100 من الإبل، فخرجت القرعة على الإبل فنحرها.
تعاظمت محبّة الأب “عبد المطّلب” لابنه المفدّى “عبد الله”، حتى إذا بلغ مبلغ الرجال وأراد أن يزوّجه، عزم على أن يختار له من صفوة بنات قريش نسبا ومكانة وعفة وإباءً.. كان كل الآباء في قريش يتمنّون لعبد الله بن عبد المطلب أن يتزوّج من بناتهم، لما رأوه من حفاوة عبد المطلب به، ولـِما رأوه في قصّة الفداء. لكن عبد المطلب اصطفى لابنه امرأة من معدن نفيس، هي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، وكانت صاحبة مكانة في قريش لا يكاد يدانيها فيها أحد من فتياتها.
ثمَّ الزواج المبارك الميمون، وما هي إلا أيام معدودات حتى سافر “عبد الله” في تجارة له إلى الشام، وبعد أن قضى ما أراد في الشام وقفل راجعا، مر بأخوال أبيه عبد المطلب في يثرب بني النجار، وقدر الله له أن يمرض هناك، وما هي إلا أسابيع معدودة حتّى فاضت روحه، ودفن هناك بيثرب في دار النابغة.. كان خبر وفاته مؤلما لأبيه عبد المطلب، ولزوجته آمنة التي لم تهنأ بزوجها إلا أياما معدودة. ولكنّه قضاء الله العليم الحكيم الخبير الذي يهيئ لأمر جلل.. في تلك الأثناء كانت آمنة قد حملت من زوجها عبد الله حملا أثار عجبها واستغرابها، حملا خفيفا لا وحم له ولا ألم ولا تعب.. في الطبقات الكبرى لابن سعد: أنّ آمنة بنت وهب كانت تقول: “ما شعرت أني حملت به ولا وجدت له ثقلة كما تجد النساء.. وأتاني آت وأنا بين النائم واليقظان فقال: هل شعرتِ أنك حملت؟ فكأني أقول: ما أدري! فقال: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة ونبيها، وذلك يوم الاثنين.. ثم أمهلني حتى إذا دنا ولادتي أتاني ذلك الآتي فقال: قولي أعيذه بالواحد الصمد من شر كل حاسد”.. ورأت آمنة حين حملت به أنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام”.
أراد الله لهذا الحمل أن يكون هدية خالصة لأمّه، لا يثقل كاهلها ولا يؤذيها، كما يفعل الحمل مع كلّ النّساء.. ورأت الأمّ المباركة في المنام من يدلّها على دعاء خالص توجّهه إلى الله الواحد الصّمد، ليس إلى الأصنام ولا إلى الشفعاء الذين كان أهل مكّة يتعوّذون بهم؛ حتى وهو في بطن أمّه يعصمه الله من أن يُدعى له وثن أو شفيع يتخذ مع الله.. ثمّ ترى أمّه أنّ نورا عظيما خرج منها أضاءت له قصور بصرى بأرض الشّام.. وهي رسالة ربانية مفادها أنّ هذا الرّجل سيُخرج البشرية من ظلمات الجهل والجاهلية إلى نور العلم والإيمان، ((يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ))، وسيجدّد رسالات الأنبياء التي كان معظمها في أرض الشّام، وسيكشف عنها الغبار الذي تراكم عليها ويزيل عنها التحريفات التي طالتها، ويصهرها في رسالة خاتمة هي رسالة الإسلام.
بعد حوالي 7 أشهر من الحمل المبارك كانت حادثة الفيل، يوم عزم الملك النصرانيّ أبرهة الحبشيّ الذي كان يحكم اليمن على أن يهدم الكعبة المشرّفة، ليحمل العرب على الحجّ إلى القليس الذي بناه في اليمن، فردّ الله كيده عن بيته، وأرسل طيرا أبابيل ترمي جنود أبرهة وفيلته بحجارة من سجيل حتى جعلتهم كالحشيش اليابس المأكول.. وكأنّ في حصول هذه الحادثة والنبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- جنين في بطن أمّه، رسالة أنّ الله سيجدّد بهذا النبيّ القادم ملّة خليله إبراهيم عليه السّلام، وينفي عنها دعاوى اليهود والنصارى الذين يدعون انتسابهم إلى إبراهيم كذبا وزورا.
بعد حادثة الفيل، رأى عبد المطّلب جدُّ النبيّ –صلـى الله عليه وسلم- في المنام من يأمره بحفر بئر زمزم، فحفرها، وهي تقع الآن تحت صحن المطاف في المسجد الحرام، وفاض ماء زمزم، وكانت بشارة عظيمة رافقت ميلاد النبيّ –عليه الصّلاة والسّلام-، بأنّه سيكون للبشرية نبعا زلالا وموردا صافيا لا يتكدّر، يرده الظمأى فيعودون وقد ارتووا نورا وهداية وصلاحا.
تتابعت أيام الحمل وشهوره، حتى حلَّ الأجل الموعود، في فجر يوم الاثنين، الموافق للثاني عشر من ربيع الأول عام الفيل الموافق لسنة (571) للميلاد، وقد شهدت الولادةَ المباركة امرأةٌ مباركة، هي فاطمةُ بنتُ عبد الله والدة عثمانَ بنِ أبي العاص الثقفي، فروت ما رأت فقالت: “شهدت ولادة النبي –صلّى الله عليه وسلّم- حين وضعته أمه آمنة، وكان ذلك ليلا، فما شيء أنظر إليه من البيت إلا نور، وإني لأنظر إلى النجوم تدنو، حتى إني لأقول: ليقعن عليَّ”.. وحين وضعته رأت ذلك النور الذي رأته في المنام واقعا رأي العين، نورا يصل إلى أرض الشّام المباركة.
فيا الله! نور في المنام عند بدايات الحمل، ونور عند الولادة.. ولمَ العجب والدّنيا كلّها ستنير بولادة وبعثة نبيّ كلّه نور، وجهه نور، وخلقه نور، وكلامه نور، ورسالته نور.. سُرّت به أمّه مع ما رأته من النّور واليسر والبركة عند ولادته سرورا عظيما عوّضها عن فقد زوجها، فأرسلت إلى جدّه عبد المطّلب ليشاركها الفرحة بالنّور الذي رزقته.. فرح الجدّ بفلذة الكبد التي تعوّضه عن فلذة كبده الذي فقده.. وسمّاه محمّدا، وتسامعت قريش كلها بالمولود الجديد الذي كان حديث المجالس، وفرح به بنو عبد المطّلب وبنو هاشم كلّهم، حتّى أنّ عمّه أبا لهب حين أتته جاريته “ثويبة” تبشّره بأنّه قد ولد لأخيه الأصغر عبد الله مولود سمّاه جدّه محمّد، من شدّة الفرح قال للجارية: اذهبي فأنت حرّة لوجه الله.
شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين
The post في ذكرى ميلاد النّور appeared first on الشروق أونلاين.