الوَهَنُ سببُ الهوان
د.خديجة عنيشل/ يعيشُ المسلمون اليوم أشدَّ حالاتِ الذلِّ والهَوَان وأقسى صورِ الخنوعِ والخِذلان بل لقد صارَ وُجودُ الأمةِ الإسلاميةِ عبئاً عليها وتحولت أمةُ الملياري مسلم إلى ملهاةٍ مُخزية يعيشُ فيها المسلمُ عارَ الهزيمة والخوف والمذلّة؛ فهذه غزةُ تُبادُ منذ سنتين كلَّ يوم بقصفٍ وحشيٍّ مُجرم أهلكَ الحرثَ والنسل أمام مرأى ومسمع ملياري مسلم عجزوا كلُّهم …

د.خديجة عنيشل/
يعيشُ المسلمون اليوم أشدَّ حالاتِ الذلِّ والهَوَان وأقسى صورِ الخنوعِ والخِذلان بل لقد صارَ وُجودُ الأمةِ الإسلاميةِ عبئاً عليها وتحولت أمةُ الملياري مسلم إلى ملهاةٍ مُخزية يعيشُ فيها المسلمُ عارَ الهزيمة والخوف والمذلّة؛ فهذه غزةُ تُبادُ منذ سنتين كلَّ يوم بقصفٍ وحشيٍّ مُجرم أهلكَ الحرثَ والنسل أمام مرأى ومسمع ملياري مسلم عجزوا كلُّهم عن إغاثة الشعب الفلسطيني الملهوف ومدِّ يدِ العونِ له، والنفرة إلى استغاثاتهم وهم يُحرَقون ويُقتَّلون ويُجوَّعون !!! كيف لم تستطع أكثرُ من عشرين دولة عربية إدخالَ قارورة ماء ولقمة طعام للجوعى والعطشى في غزة المُحاصَرة وهي الدولُ التي تمتلك جيوشاً مُدجَّجة بشتّى أنواعِ الأسلحة؟؟ لا نراها إلا في الاستعراضات العسكرية التي تحولت إلى فلكلور في الأيام والمناسبات الوطنية؟؟!! كيف لا تستطيع دولٌ تربطها علاقاتٌ مع الكيان الصهيوني الفاجر أن تجبرهُ على فتح المعابر لإدخال المساعدات الإنسانية إلى أهل غزة الجوعى والمرضى والمكلومين؟؟ هذه المساعدات الإغاثية التي تشكّلُ طابوراً طويلا أمام المعابر في تحدٍّ صهيونيٍّ صارخ لكل الكرة الأرضية !!! كيف لا تلتهبُ الشوارعُ العربيةُ والإسلاميةُ نصرةً للإخوة في غزة حفاظاً على ما تبقى من قليلِ ماءٍ في الوجوه في حين نرى شوارعَ أوروبا وأمريكا تتفجّرُ كل نهاية أسبوع بلا انقطاع رفضاً للعربدة الصهيونية والغطرسة الأمريكية؟؟ كيف يستمرُّ العربُ المسلمون في يومياتِهم وهم يرونَ هذا الإذلال الواقع بهم؟؟ كيف هان المسلمون كلَّ هذا الهوان؟ سؤالٌ وجوديٌّ يُجيب عنه حديثٌ استشرافيٌّ عظيم لسيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم: « يوشك الأممُ أن تَدَاعى عليكم كما تَدَاعى الأَكَلَةُ إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوَهَن، فقال قائل يا رسول الله: وما الوهن؟ قال حبُّ الدنيا وكراهية الموت»(صحيح). وبالفعل فنحن اليوم بملايين الملايين ولكننا نتيجة تزاوج وإنجاب لا مواليد عزٍّ وكتاب؛ فقد صارت الأُسرُ المسلمةُ تُفرِّخُ أجيالاً مُستلَبة تخجلُ من دينِها ولغتِها وهويّتِها فلم تأكل هذه الأجيالُ مما تزرع ولم تلبس مما تنسج ولم تتعلّم إلا وفقَ إملاءاتِ العدوّ وبِلغتِهِ وتحت عينه وهو لا يُريدُها إلا تَبَعاً له لذلك لم يتمكّن المسلمون من القوة لأنهم لا يمتلكون مفاتيحَها. كان يُمكن أن تكونَ هذه الأمةُ سيلاً هادراً لو تخلّصت من التبعية للغرب، وكسرت أغلالَ الارتباط به، ووثقت في مُقدّراتِها وطاقاتِها وأفكارِها ولكنها خضعت له خضوعَ الذليل الخانع فصارت غُثاءً لا ينفع ولا يُفيد !! وهل يكترثُ أحدٌ للغثاء؟ لقد خسرت الأمةُ هيبتَها فلم يعد عدوُّها يخافُها؛ ها هو الكيانُ الصهيوني يقصفُ في سنتينِ كاملتين بلا هوادة الأبرياءَ العُزّل ويحرقهم ويُجوّعُهم ويُدمّرُ كلَّ حيٍّ يتنفس ولا يستطيعُ هذا الغُثاء أن يقول مجرّدَ (لا). ولكن ما الذي أوصلَ الأمّةَ إلى هذا الهوان؟ إنه الوَهنُ: حبُّ الدنيا وكراهية الموت؛ وبالفعل هذا ما يعيشهُ العربُ والمسلمون اليوم فقد صارت حياتُهم لهواً ولعباً وزينةً وتفاخراً وتكاثراً في الأموالِ والأولاد، أُشرِبوا في قلوبِهم متاع الدنيا فظنُّوا أنهم فيها مُخلَّدون: عشقوا مكاسبَها، وخنعوا كي لا يخسروا مناصبَها، فتاهوا في ملذّاتِها وغرقوا في شهواتِها وكَثُرَ في الأمة الخَبَث: التفاهة والدياثة والعهرُ وموت القِيَم وانحلال عُرى المجتمع التي نراها في الميديا ووسائل التواصل الاجتماعي والتي حوّلت مسارَ أمةٍ كاملة صارت أضحوكةَ الأمم. قد يقولُ قائلٌ: أوليسَ في هذه الأمةُ صالحون؟ أجابَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من سأله هذا السؤال: « أنهلك وفينا الصالحون؟ قا ل: نعم، إذا كثر الخَبَث» (متفق عليه)
إنَّ حبَّ الدنيا الذي جعلَ الفسادَ ينخرُ هذه الأمة، وكراهية الجهاد الذي هو عزُّ المسلمين وأساسُ مَنعتِهم عاملان رئيسان في وَهَن المسلمين إذ تسلَّطَ عليهم الأعداء كقصعةٍ تداعى عليها أكَلَةٌ جائعون فضاعت بوصلةُ المسلمين التي هي هويّتُهم العَقَدية والاجتماعية والإنسانية، ولا يمكنُ أن تعودَ لهم بوصلةُ النجاة هذه إلا حين يتشكّلُ وعيٌ جديدٌ لهذه الأمة يفهمُ فيه الجميع أن العِلمَ هو الذي يبني الأمة التي أرسلَ إليها ربُّ العالمين منذ أكثرَ من 15 قرناً كتاباً ابتدَأَهُ بكلمة الوجود الخالدة (اقرأ) .. وحين تقرأ هذه الأمةُ تمتلكُ ناصيةَ العلم فتتحرر من التبعية لعدوّها التي هي رأسُ بلائِها، وتُمكّن لنفسها تمكيناً يعيشُ فيه جميعُ مكوّنات المجتمع المسلم دون احتراب ولا شقاق ولا ظلم كما أراد الله بالعدلِ والإحسان.
حين أعلنُ المجاهدون في غزةَ طوفانَ الأقصى فتحوا للأمة كلِّها بابَ عزٍّ كبير كان ليكونَ فرصتَها الذهبية في الانعتاق والعزة والكرامة لو مُدّت يدُ العون لرجال المقاومة ليس بالسلاح لا سمح الله ولكن فقط لو لم تُحاصرهم الأمةُ ولم تخذلهم ولم تشارك الصهاينة في ذبحهم وإراقة دمائهم. لقد وهبَ طوفانُ الأقصى هذه الأمةَ العاجزة الصفعةَ الأخيرة لتنهضَ من دَرَكِ الوَهَن والهوان ولكن للأسف الشديد اختارت هذه الأمةُ المغلوبةُ المُهانةُ الصمتَ والخنوع والخذلان والركوع وإنها والله حين خذلت المقاومة وباعت ذمّتَها للعدو فإنها ستفنى وتأكلُ نفسَها بالنعرات الطائفية والاحتراب الداخلي وسيستبدلُها الله بقومٍ لن يكونوا أمثالَها.