زِيَارَتي إلى أَرضِ الكِنَانة «مِصر» حَفِظ الله أهلها مرافقة أول دفعة لطلبة الجمعية منذ الاستقلال

أبو إياد كمال بن عطاءالله من أهداف الجمعية التربوية التثقيفية الفكرية، وهذا واضح من خلال منهجها العملي منذ تأسيسها، أن تعمل على إيجاد نُـخبة عاملة بما تَعْلَم ناشرة لِلْعِلم وقُدوة لغيرها وَفِيّة لهويتها الإسلامية حامية لأمن بلدها الجزائر، والمتفحّص لتاريخ علماء الجمعية يجد أنّ الشيوخ رحمهم الله في وقت الطلب سافروا ثم رجعوا علماءً دعاة …

يوليو 29, 2025 - 13:47
 0
زِيَارَتي إلى أَرضِ الكِنَانة «مِصر» حَفِظ الله أهلها مرافقة أول دفعة لطلبة الجمعية منذ الاستقلال

أبو إياد كمال بن عطاءالله

من أهداف الجمعية التربوية التثقيفية الفكرية، وهذا واضح من خلال منهجها العملي منذ تأسيسها، أن تعمل على إيجاد نُـخبة عاملة بما تَعْلَم ناشرة لِلْعِلم وقُدوة لغيرها وَفِيّة لهويتها الإسلامية حامية لأمن بلدها الجزائر، والمتفحّص لتاريخ علماء الجمعية يجد أنّ الشيوخ رحمهم الله في وقت الطلب سافروا ثم رجعوا علماءً دعاة دون أن ينسوا أهلهم وبلدهم ومنهم الشيخ العربي التبسي(1891-1957م) الذي دَرَس بالزيتونة و الأزهر، أبو يعلى الزواوي( 1862-1952م) زار الشام ومصر وله مساهمات علمية هناك، الشيخ محمد خير الدين الطولقي(1902-1993م) درس بالزيتونة، الشيخ عبد الحميد بن باديس(1889-1940م) درس بالزيتونة ثم زار الحجاز وسوريا ومصر وأخذ الإجازات من علمائها، الشيخ الطيب العقبي(1889-1960م) درس وتربّى بالحجاز ثم عاد للوطن، أمّا الشيخ محمد البشير الإبراهيمي(1889-1965م) فبعدما درس عند عمّه التحق بالحجاز وعاد إلى أرض الوطن واستكمل مهمته العلمية، في الخمسينات من القرن الماضي عمل على متابعة ومرافقة دفعات من الطلبة الجزائريين ابتعثوا إلى مصر وسوريا والعراق لتحضيرهم للاستقلال، والقائمة طويلة من طلبة وعلماء الجمعية الذين كدّوا واجتهدوا طلبا للعلم والعودة لبلدهم ِجهادا بالقلم في التربية والتعليم و بالجبال لِدَحْر العدو الفرنسي في كل رقعة من أرضنا الطاهرة، وممن بقي منهم للاستقلال كان عونا مرشدا في المساجد والمدارس والثانويات والجامعات في مرحلة بدايات الاستقلال.
وسيرا على ذلك الأثر كانت ثمرة مجهودات قُطِفت في بدايات 2024م في عهد الرئيس الشيخ الدكتور «عبدالمجيد بيرم» ورئيس الأمانة العامة الأستاذ الشيخ «نورالدين رزيق» وجهود الأستاذ «حمزة سعيدي» حفظهم الله، حيث أعلن على دفعة لاستكمال الماجيستير لطلبة الليسانس وكذا لطلبة الدكتوراه بالأزهر بشروط أهمّها معدل أكبر أو يساوي 16من20 وكذا شهادة تؤكد حفظ القرآن الكريم كاملا أو نصفه، وبعد ذلك طُلب من المقبولين مبدئيا استكمال الملف من وثائق رسمية مؤشرة من طرف الوزارات المختصة وكان القبول النهائي في شهر ديسمبر من 2024م، والتحق فوج الطلبة الفُضلاء ليصلوا للقاهرة بكلية الوفود الأجانب من العرب وغيرهم من جنسيات مختلفة (إندونيسيا- بنغلاديش- تايلاند- الصين- ماليزيا- أفغانستان- أوزبكستان – روسيا- ومن قارتي أوروبا وأمريكا…)، بذل إخواننا الطلبة مجهودات معتبرة بالنظر للظروف الجديدة من بحث عن سكن على عاتقهم ومعيشة يومية يحتاجونها، مع العلم أنَّه لم تقدم لهم مساعدة مادية مالية من أي طرف، ومع ذلك تجاوزوا السداسيين دراسة بامتحاناتها واستكملوا العام الدراسي الأول في نهاية جويلية2025م الحالي.
بمبادرة منّي شخصيا عقدت العزم على زيارة الإخوة الطلبة الأفاضل لأقف على ظروفهم ومشاركتهم ولو لأيام قليلة وكان الأسبوع الثالث من شهر جويلية الحالي وصولي إليهم وقد استقبلوني جزاهم الله خيرا بداية من مطار القاهرة الدولي ليلا، وكانت لحظات مفعمة بالمحبة والشكر لله سبحانه وتعالى على نعمه وفضله وعطائه ومِنَنِه التي نحمده عليها، وجدت إخوتي في آخر يوم من رزنامة الامتحانات لنهاية السنة الجامعية وآثار التعب بادية عليهم، سدّد الله خطاهم.
كان اليوم الأول للزيارة الانطلاق من الحي الشعبي الكبير «التَبَّة» بمدينة «نصر» مستقلين حافلة عمومية والمرور على الحي «العاشر» وعلى شوارع واسعة مليئة بالمحلاّت المزينة باللافتات الإشهارية وكذا كثرة الجسور «الكباري»، الحركة كبيرة جدا وازدحام مروري وأصوات هدير المحركات تصمُّ الآذان، وصلنا جامعة الأزهر بكلياتها(الطب- الإعلام- العلوم الإسلامية للطلبة الوافدين – الطلبة للدراسات الإسلامية والعربية للبنين)، ثم اتجهنا إلى منطقة «الدَرَّاسة(1)» بوسط القاهرة القديمة وتجولنا بدرب الأتراك والدرب الأحمر وأزقتها العتيقة وهنا عبير تلك العصور التي تعاقبت على هذه الأرض من الفتح الإسلامي إلى حكم المماليك إلى فترة الأتراك من خلال شكل المباني القديمة وألوان حِجارتها فاتحة السَّوَاد وبُنيّةً في بعضها ولعلّها تحمل هموم حِقب زمنية متعاقبة من الظهور تارة والخُفوت تارات أخرى يعترضك على جنبات الزُقاق الباعة في دكاكينهم القديمة أو على العربات مختلفة الأشكال والمنهكة في غالبها، ومع الحرارة الشديدة يجذبك منظر العصائر الذي يقودك لتذوقه بعد تحضيره على الحال، هنا على كثرة المكتبات المليئة بالكتب المتنوعة وخاصة الإسلامية ومجلداتها، دخلت مكتبة واطلعت على محتوياتها بعناوينها و سألت عن أثمانها فكانت متفاوتة وأقلّها ثمنا عندنا على العموم، ثم مررنا أمام بيت زينب خاتون(2)، دخلنا جامع الأزهر(3) وصلينا الظهر وحضرنا بداية درس لأحد الشيوخ المدرسين، وهناك عدة كراسي منصوبة وموزعة في واجهة الجامع، وفي الجهة الخلفية هناك كراسي وطاولات خاصة للطلبة الحافظين لأخذ إجازات الحفظ، ما أجمل أن تُصلّي بجنب إخوانك المسلمين الذين تربطك بهم وشائج العقيدة والصف الواحد والإمام الواحد و القبلة الواحدة ومهما اختلفت ألوانهم تجمعك بهم اللغة العربية ومجموع الشعائر من السّلام إلى واجبات الصلاة كلها وسُننها والاحترام المتبادل، وهناك بعض السُوّاح الذين يُفرض عليهم وضع الوشاح وتغطية الأجزاء العارية الفاضحة، رجعنا في نهاية يومنا وبعد المغرب مررنا على الشوارع المزدحمة بكثرة المارّة من مختلف الأعمار وكأنّ النّاس جميعا خرجوا ليتسوّقوا ويتجوّلوا وما تجد محلاّ مهما كانت معروضاته إلاّ وبه الزبائن الكُثر وبالأخص مطاعم الوجبات السريعة والمقاهي التي تجذب روّادها لوجود «النرجيلة=الشيشة» فانتشارها عجيب في هذا البلد للأسف الشديد، وبجانب الانتشار الواسع جدا للشاي الأحمر هناك محلاّت كثيرة للفاكهة المحلية من موز(4) وتفاح وبرتقال ومنجا(5) وغيرها وبأسعار منخفضة جدّا مقارنة بما هو عندنا، وهناك محلاّت واسعة للتسوّق على غِرار مجموعة «الكارفور» الفرنسية وغيرها و لها زبائنها من مختلف الشرائح من المصريين وغيرهم من الأجانب ويظهر من لباسهم(الحجاب) وخاصة من الدول الإسلامية الذين جلبوا عائلاتهم للدراسة.
في اليوم التالي قرّرنا صباحا التوجه إلى محافظة «الجيزة» على بعد -25كم- وبها الأهرامات إحدى عجائب الدنيا، اتجهنا جنوبا مستقلين سيارة خاصّة مرورا بمناطق الزهراء والمعادي(المقطم) وبرج «السما» مرورا بالنيل بمنطقة المنيب، دخلنا الجيزة من الجهة الشمالية على الطريق السياحي الواسع، لم تنقطع المباني والعمارات والمساجد والكنائس وغيرها من المحلات، وصلنا لمنطقة الأهرامات وبعد إجراءات تخليص التذاكر بواسطة بطاقة «الفيزا» وغيرها، وجدنا أمواجا بشرية كبيرة وخاصة من وفود السوّاح من جميع دول العالم، وتقاطر علينا أصحاب عربات «الحنطور(6)» مقدمين خدماتهم للتجوال وصولا للأهرامات، لكن التضاريس المحيطة بها مُتْعبة والمسافات طويلة للوصول إليها جميعا، هنا استحضرت جبروت الطغاة وقوتهم التي أمدّها الله لهم لتعمير الأرض ومع ذلك تكبّروا عليه وكفروا بأنعمه و ها هي آثارهم دالّة عليهم، لكن هل بقيت لهم؟، هل نفعتهم؟، هل من معتبر منهم ومن أمثالهم يا أهل زماننا؟.

قلعة صلاح الدين الأيوبي(7)
ما إنْ عرفت بوجود القلعة هبّ فؤادي لرؤيتها واتفقت مع إخواني للذهاب مسرعين إليها والاكتفاء بما عايناه من الأهرامات، وصلناها وهي على ربوة مطلّة على القاهرة، مازالت محصّنة محافظة على شكلها وكيانها، وهي بحقّ تحفة معمارية رائعة تدل على ذكاء ومهارة فنية عالية لمن خطّط وأدار بناءها، بها مسجد به قِباب متداخلة مزخرفة من الداخل وسواري عريضة ومنبران أحدهما أعلى من الآخر، منظر يسرّك ويبعث فيك الأمل مستلهما من هذه الآثار أن عودة العظماء ليست ببعيدة فالتاريخ يعيد نفسه إنْ اتخذت نفس المقدمات والأسباب، اسم «صلاح الدين» وجنده ومنجزاته مرحلة تشرئب لها العقول والقلوب وهي مفعمة بتكرار ذلك النصر للخروج من المذلة والهزيمة المادية والنفسية التي تعيشها الأجيال، كانت جولة سَرَح فيها خيالي لأتصوّر كيف تغلبوا على كل الصّعاب بتوفيق من الله وتركوها لنا رسالة ساطعة ننهل منها جميعا عنوانها -بالإخلاص والتفاني والصدق تنال الريادة-، تحتوي القلعة على متحفي الشرطة والجيش المصريين فيها نماذج حيّة للأسلحة منذ الحقبة الحجرية حتى وقتنا الحاضر، متحف الجيش فيه من الأجنحة التاريخية التي تفيد الزائر وهو واسع وبه كل المراحل المتعاقبة على أرض الكنانة من الفرعونية إلى الدول الإسلامية إلى العصر الحالي، والحق يقال هذا المتحف يحتاج أكثر من يوم كامل وتستفيد منه كل الفئات وتتعلم منه الكثير لما تحتويه من جداريات ومجسمات وخرائط وآثار مختلفة وأفلام وأسلحة… .

عرّجت للإسكندرية
من وسط القاهرة القديمة ومن محطة «رمسيس» للنقل الجماعي كنّا على موعد للذهاب لبلد «اسكندر الأكبر» المحافظة الثانية والتي تبعد عن العاصمة-220كم- من خلال الطريق الصحراوي جهة الشمال الغربي، اكتشفت طرقا سريعة وواسعة وعلى جنباتها مزارع شتى واخضرار على طول المسافة وطرق جانبية تؤدي إلى مدن(السادات- …) وقرى عديدة بالعشرات، بالقرب من المدينة هناك بحيرات(ملاّحات)، هذه المحافظة فيها ملامح المناطق الساحلية وخاصة مدن البحر الأبيض المتوسط تتميز بجو رطب واكتظاظ بشري أقل من العاصمة، زرنا قلعة قيتباي(8)، ثم ذلك الصرح الكبير مكتبة المدينة(9) وهي ذات معمار حديث رائع تحتوي على أجنحة كبيرة جدّا أهمها جناح المخطوطات، والأوسع جناح المطالعة والذي يحتوي على ملايين من العناوين وبه مكتبة رقمية ويمكن للمشترك اختيار طاولة وحاسوب ويطالع ما شاء.
بعيدا عن التعيير والتعميم السلبي و المناكفات البعيدة عن الموضوعية وخاصة الظرفية المرتبطة بالحسابات السياسية والمواقف العاطفية، تبقى مصر جسرا بين إفريقيا وآسيا بموقعها والحضور التاريخي وتنوع مكوناتها وهي مركز مهم من الحاضرة العربية والإسلامية، قد تعيش قيودا خاصة، وندعو الله أن يفك عنها جميعا أغلال التبعية والتخلّف(وهي ليست متفردة في ذلك) وأن يجمع أمتنا على الحق والمنَعة التي نسعى لتملّكها، فيها العلم وفيها الخير رغم المظاهر المشينة التي لم أشأ التعرض لها حبّا في إخواني الذي تجمعني بهم وشائج الدين، وكم كان قلبي يعتصر حينما أشاهد معايشا ذلك، هذا مختصر رحلتي وهو أقل من عشر المعشار مما أريد كتابته وقوله.

قائمة أول دفعة لطلبة الدكتوراه بعد الاستقلال المبتعثين من طرف الجمعية:
01- فؤاد قريشي، 02- توفيق تربح، 03- محمد ياسين حني، 04- فريد بلقاسمي، 05- عون منصف، 06- عبد الحق الحبيب سايح، 07-يوسف حاجي، 08- عزالدين شين، 09- يحي بوشاقور، 10- حسين هوشات، 11- اسماعيل ياسين عبيد، 12- محمد أمين بن حمود.

الهوامش:
(1)- بتخفيف الدّال.
(2)- هو منزل جميل أثري قديم يقع خلف الجامع الأزهر بالقاهرة، في عام 1486م قامت الأميرة هانم حفيدة السلطان الناصر حسن بن قلاوون أحد سلاطين المماليك ببنائه.
(3)- تأسس في عهد الدولة الفاطمية على يد جوهر الصقلي 970م.
(4)- 1كغ بـ 100إلى 150دج.
(5)- من 150إلى 300دج.
(6)- عربة ذات عجلتين يجرها حصان أو بغل.
(7)- شيّدت بطلب من صلاح الدين الأيوبي ودام بناؤها من 1183-1176م.
(8)- مطلة على البحر الأبيض المتوسط جعلت للحراسة، وقد بدأ السلطان الأشرف أبو النصر قايتباي بناء هذه القلعة في سنة 882 هـ وانتهى من بنائها سنة 884 هـ.
(9)- أسّسها مؤسس المدينة حوالي 300ق م.