مشروعُهُم المُمتد.. وغباؤُنا المُمتد

د.خديجة عنيشل/ حين تحدّثَ النتن ياهو عن حلم (مشروع إسرائيل الكبرى) لم يكن يُعبّرُ عن أمنياته بل كان يتحدث انطلاقاً من عقيدته وإيمانه، ولم يكن حديثهُ عفوياً ولا عارضاً بل كان تصميماً سياسياً راسخاً لمشروعٍ يُصرُّ على استكماله، ولم يكن مجرَّدَ تصريحٍ إعلاميٍّ بل كان كلامهُ انبثاقاً من رؤية قديمة وقناعةٍ ذاتيةٍ تُشعرُهُ كما قال …

أغسطس 26, 2025 - 13:19
 0
مشروعُهُم المُمتد.. وغباؤُنا المُمتد

د.خديجة عنيشل/

حين تحدّثَ النتن ياهو عن حلم (مشروع إسرائيل الكبرى) لم يكن يُعبّرُ عن أمنياته بل كان يتحدث انطلاقاً من عقيدته وإيمانه، ولم يكن حديثهُ عفوياً ولا عارضاً بل كان تصميماً سياسياً راسخاً لمشروعٍ يُصرُّ على استكماله، ولم يكن مجرَّدَ تصريحٍ إعلاميٍّ بل كان كلامهُ انبثاقاً من رؤية قديمة وقناعةٍ ذاتيةٍ تُشعرُهُ كما قال بأنّهُ في مَهَمّة (روحية وتاريخية) من أجل الشعبِ اليهودي. ولكنَّ المُضحكَ في هذا الأمر المُبكي هو أنَّ الحكامَ العرب الذين صدمَهُم تصريحُ رئيسِ وزراءِ الاحتلال سارعوا مباشرةً بإصدار بيانات شجبٍ واستنكار في حين كان من المروءة السياسية أن يواجهوا تصريحاتِ النتن ياهو المُعلَنة بإعلان تحرّكٍ فعليٍّ وإنجازِ شيءٍ على الأرض يكون في مستوى هذا الخطر الدّاهم الذي سيلتهمُهم جميعا. كان يمكنُهم تعطيل معاهدات السلام التي تربطهم بدولةِ الكيان الصهيوني حتى يفهمَ رئيسُ وزرائها ومن معه أنّ الخطْبَ جَلَل، وأنّ لكلِّ شيءٍ حُدودا، وأنَّ هذه الدول التي يُهدّدها بالفناء لديها استقلال وإرادة وكلمة. كان يمكنُهم سحب سفرائهم من دولةِ الاحتلال حتى يفهم النتن ياهو أنّ الأمرَ ليس هيّناً!!! ولكن يُصرُّ هؤلاء الحكّام على بقائهم في مربّعِ الإذلال الذي فرضهُ عليهم الصهاينة بشكلٍ عجيب وغير قابل للتصديق. أليس في هؤلاء رجلٌ رشيد؟!! والآن وقد قالها بالفمِ الملآن لم يعد هناك مجالٌ لأيِّ تأويل: النتن ياهو يريدُ أن يغتصبَ الأراضي المصريةَ والسوريةَ واللبنانيةَ والأردنيةَ وحتى السعودية ويحقق مشروعَ دولته الكبرى هل من المعقول أن لا يتّخذَ حكّامُ هذه الدول أيَّ إجراءٍ عمليٍّ درءاً لهذا الهوان ودَفْعاً لهذا التغوُّل الذي سيقضي عليهم وعلى بلدانهم وأوطانِهم؟؟!!! لقد ثبتَ لديهم الآن أنَّ المشكلةَ ليست في حماس ولا في المقاومة ولا في السابع أكتوبر المجيد. المشكلُ الحقيقيُّ بل المعضلةُ الكبرى التي لا أبا حسنٍ لها هي أن الصهاينة يتمدّدون كأخطبوطٍ يلتفُّ حولَ رقابهم وتُرابِهم. وأنَّهم ماضونَ في تحقيق حلم (مشروع إسرائيل الكبرى). هل يُعقَلُ أن يتجمّدوا مثل مومياءاتٍ لا يستطيعون رِكزا؟؟!! والغريبُ أنه حتى بيانات الشجبِ والإدانة التي أصدروها كانت لطيفةَ العبارة لا ترى فيها قوّةَ الكلمة ولا صرامةَ الخطاب بحيث لم تذكر اسمَ النتن ياهو مباشرةً بل أومأت إليه!!!!
الفرقُ بين النتن ياهو وبين هؤلاء الحكّام الذين أفزَعَهُم حديثُهُ عن (مشروع إسرائيل الكبرى) هو أن النتن ياهو مشروعُهُ مُمتد وأنَّ هؤلاء غباؤهم ممتد، لو عادوا بذاكرتهم قليلا إلى تاريخ 22 سبتمبر 2023 قبل السابع أكتوبر أصلاً حين عَرَضَ هذا المتوحّش بجرأةٍ واضحة (خريطة إسرائيل الكبرى) على الملأ في الجمعية العامة للأمم المتحدة وصعقَهم بطموحهِ التلمودي التوراتي الذي يرى أن حدودَ دولة الكيان الصهيوني تمتدُّ إلى سوريا والأردن ولبنان والعراق ومصر والسعودية!! ماذا فعلوا حينها؟؟ لم يفعلوا شيئاً سوى أن تمدّدوا في الفراغ غير مدركين أنَّ الخريطةَ التي عرضَها هي مشروعهُ ومشروعُ كل صهيوني منذ أكثر من قرنٍ من الزمن؛ إذ هذا الحُلم ليس جديداً بل هو ذاتهُ ما خطّطَ له مؤسسُ الصهيونية تيودور هرتزل الذي قال في سنة 1904م: « إنَّ أرض إسرائيل الكبرى تمتد من نهر الفرات شرقا إلى نهر النيل جنوبا» . النتن ياهو يرى أن دولته «مشروع أجيال» وهذا فرقٌ آخر بينه وبين هؤلاء الحكام الذين لم يحفظوا قيمةَ الأجيال العربية ولم يُمكّنوا لمشروع الأمة العربية وكانوا سيوفاً مسلولةً ضدّ بعضهم البعض، وأدواتِ رخيصةٍ في يد العدوّ وإلا كيف نفسّرُ أن يمدَّ النظامُ المصريُّ يدَهُ إلى دولةِ الاحتلال في هذا الوقتِ القاتل الذي يُجوِّعُ فيه الصهاينةُ إخوانَهم وجيرانَهم في غزةَ الصابرة ويمنحونَ هذا الكيان أغلى صفقةِ غاز بقيمة 35 مليار دولار!! ليس هذا فقط بل خلال أشهر الحرب الظالمة على غزة سُجِّلَ أعلى معدل في تصدير الإسمنت إلى دولةِ الاحتلال الصهيوني حيثُ تضاعفت صادراتُ مصر من مادة الإسمنت التي يبني بها الصهاينةُ بيوتَهم 13 مرة خلال فترة الحرب الهمجية النازية على أهلنا في غزة حيثُ تُدَكُّ البيوتُ وتُقصَفُ على رؤوسِ قاطنيها الأبرياء دون رحمة ولا ضمير !!!هل تُكافئُ مصرُ العروبة المحتلَّ المجرم على إبادةِ إخوةِ الدّمِ والدينِ والجيرة؟؟ أيُّ عالَمٍ غريبٍ مجنون نحن فيه؟؟!!
الفرقُ بين رئيس وزراء الاحتلال وهؤلاء أنّ النتن ياهو يقرأ كثيراً وهم لا يقرؤون. هو يقرأُ كثيراً لمُلهمِه وأبيهِ الرُّوحي جابوتنسكي بل ويحتفظ له بسيفه!! لتظلَّ أيديولوجيَّتُهُ الدموية مصدرَ إلهامه ومنبع الشرّ المستطير الذي ينشرهُ النتن ياهو في غزّة اليوم. والزعيم الصهيوني زئيف فلاديمير جابوتنسكي لمن لا يعرفهُ هو مُنظّر الفكر المتطرّف الصهيوني الذي أنتجَ الليكود وجميع المنظمات الصهيونية الإجرامية، وهو الذي طالما نادى بالحدود التوراتية للدولة اليهودية، وهو صاحبُ مقولة: «لنهرِ الأردن ضفتان، هذه لنا، وتلك أيضا» !! التي تُظهرُ بوضوح الصفةَ التوسعية الإجرامية للفكر الصهيوني. كما أنّ والد النتن ياهو المؤرّخ اليهودي بن صهيون نتن ياهو كان واحداً من نوّاب جابوتنسكي الشخصيين.
غبيٌّ من يظنُّ أن السلالةَ الصهيونية تتوالدُ دون تخطيط، وغبيٌّ من يظنُّ أن الفكرَ الصهيوني الدموي تنظيراً وتطبيقاً يشتغلُ دون وعي؛ إنهم يسيرون وفقَ تخطيطٍ جهنميٍّ هدفُهُ سحقُ الهويّة العربية وإبادة كل ما يتصلُ بها من معاني وقيم وهذا هو عينُ ما دعا إليه جابوتنسكي الذي قال في العام 1923: «الطريقةُ الوحيدةُ التي يمكن أن يوافقَ بموجبها العربُ على دولةٍ يهوديةٍ في فلسطين هي القوة التي تسحقهم وتُذعنهم». والأشدُّ غباءً هو من يظنُّ أن السابع أكتوبر المجيد هو سببُ هذه الإبادة الهمجية المتوحّشة في غزة، وأنّ النتن ياهو كان ينتظرُ مبرّراً ليُظهرَ أنيابَ التقتيل والدموية والشر إنه سليلُ مُرشده الروحي جابوتنسكي الذي يسمّيهِ أتباعُهُ «موسوليني اليهود» وإنهُ شيطانُ هذا القرن الذي لم تنجب البشريةُ مثلَهُ أبداً. وإنَّ المقاومةَ الباسلة في غزة هي وحدها من استوعبت الحقيقةَ الفاشية المجرمة لهذا الشيطان ولدولتهِ الدموية، ورجالُ المقاومة الأشاوس هم وحدهم -بفضلِ الله- من سيهزمُون هذا الجمع وسيولونهم الدبر وهذا وعدٌ إلهي سيتحققُ لا محالة {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ}الحجر/66