7 أكتوبر لم يكن خطأ
أ. عبد العزيز كحيل/ ما زالت الأنظمة الوظيفية وأبواقها ومعها المطبعون والمنبطحون يخطئون طوفان الأقصى ويعدّونه كارثة على غزة وعلى الفلسطينيين، والحقيقة عند من يحب الإسلام والحرية ويفهم الأحداث أنه كان خطوة قوية وفعلا جريئا لإخراج الأمة من حال الهوان الذي طال أمده ووضع قدمها على الطريق الصحيح وإفشال المشروع الصهيوني المتغطرس، وهذا هدف كبير …

أ. عبد العزيز كحيل/
ما زالت الأنظمة الوظيفية وأبواقها ومعها المطبعون والمنبطحون يخطئون طوفان الأقصى ويعدّونه كارثة على غزة وعلى الفلسطينيين، والحقيقة عند من يحب الإسلام والحرية ويفهم الأحداث أنه كان خطوة قوية وفعلا جريئا لإخراج الأمة من حال الهوان الذي طال أمده ووضع قدمها على الطريق الصحيح وإفشال المشروع الصهيوني المتغطرس، وهذا هدف كبير وغاية نبيلة لها ثمن غال وكلفة مرتفعة، فقبل 7 أكتوبر كانت القضية الفلسطينية على أبواب دفنها نهائيا، وكانت معظم الأنظمة العربية تتسابق نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني، تخطب وده وتقدم له من التنازلات الجوهرية ما لم يكن يحلم به فجاء الطوفان ليوقف مسلسل الاستسلام ويعيد الحياة للقضية ويعطي بصيصا من الأمل للأمة بإعلانه الجهاد في زمن أصبحت فيه هذه الشريعة مرادفا للإرهاب، محاصرة، منبوذة.
أجل كان الثمن باهظا، وحلّ بغزة من الفواجع ما لم يكن يتصوره أحد لكن يجب التذكير بحوادث التاريخ حتى نترك الإطلاق الظالم ونعود إلى النسبية والموضوعية، فدماء أهلنا في غزة غالية غلاء أي دم مسلم و أي دم بريء لكن الجزائريين كان ثمن استقلالهم مليونا ونصف مليون من الشهداء، وسقط منهم في يوم 8 ماي 1945، ما لا يقل عن 45000 شهيد برصاص الاحتلال، ولولا هذا لبقيت بلادهم جزءا من فرنسا، أما في التاريخ القديم فقد وثّق مؤرخون فرنسيون شاركوا بأنفسهم في الحروب الصليبية أنه في الحملة الأولى دمروا في الأناضول مدنا بأكملها وقتلوا جميع سكانها إلا من استطاع الهروب منها، حدث ذلك في أنطاكيا وغيرها، وعندما استولوا على مدينة القدس قضوا أياما متتالية في قتل سكانها حتى غاصت أقدام الخيل في الدماء إلى الرُكب، وقد بقيت المدينة أسيرة منهكة أكثر من تسعين عاما ثم استرجع المسلمون أنفاسهم وانخرطوا تحت راية الجهاد وحرروها هي والشام كله.
وما نراه في غزة يثبت أن اليهود ليسوا أصحاب قوة في القتال بل هم أصحاب وحشية مفرطة في استهداف المدنيين وتدمير كل مظاهر الحياة، وقد جعلوها خطة لإرهاب الأنظمة المطبعة لتزداد انبطاحا، بدءا بسلطة رام الله، لكن رجال العزة كسروا كبرياءهم بثباتهم الأسطوري وجهادهم المبارك الذي جعل من معركة غزة أعجوبة بهرت العالم، وبالتالي النظر إلى الخسائر مع عدم إبصار الثمار المباركة ظلم بيّن لا يصدر إلا من نفوس أصابها الانهزام الروحي، فالعدو أرهب الأنظمة بينما هزمته المقاومة، ويبدو أن هذه توقعت كل شيء بعد 7 أكتوبر إلا مسألة واحدة هي أن يبلغ الموقف العربي الرسمي هذه الدرجة من الهوان والفجور حتى لكأن التاريخ يعيد نفسه ويذكّرنا بأنه في أثناء الحرب العالمية الأولى كان الحكام العرب يقاتلون الدولة العثمانية بكل حماس إلى جانب الدول الغربية بينما كانت فرنسا وبريطانيا تبرمان اتفاقيات سيكس – بيكو التي تجعل من الدول العربية كيانات ضعيفة هزيلة لا يتعدى استقلالها كونه استقلالا صوريا بينما تتحكم القوى الكبرى في تلك الدول تحت الطاولة، وها هو طوفان الأقصى يكشف أن كثيرا من الدول العربية مجرد مستوطنات صهيونية تمدّ العدو بما يحتاج إليه من سلع مختلفة وتحاصر غزة محاصرة مطْبقة، لكن الأمر الآخر الذي ينبغي التوقف عنده هو حالة الذهول التي عليها الجماهير العربية والمسلمة إلا قليلا منها هنا وهناك، وهي حالة مؤسفة شارك في سيطرتها على العقول والقلوب علماءُ السوء والنُخب التغريبية بدل محاربتها، فنتج عن ذلك صمت مريب تجاه إبادة غزة، وما وصلت الشعوب هذه الدرجة من السلبية إلا بسبب عملية الترويض التي خضعت لها بواسطة السحر الذي تمارسه الأنظمة والمتمثل في الثقافة المجتمعية التي يسوقها الإعلام والتي تتمحور حول تقديس الأشخاص وازدراء الأفكار وتشويه الرموز العلمية والدعوية والقامات السياسية المؤثرة وخاصة التخويف من التغيير، فأصبحت الجماهير تؤمن بأهمية الأمن ولو في ظل الخوف، أي ترضى بالعبودية وتكره الحرية لأن لها ثمنا، وتفضل الرضوخ للأمر الواقع لأن التغيير له مقابل خوّفوها منه، إلى درجة أن قطاعا كبيرا من الناس يلعنون الربيع العربي رغم أنه كان مشروعا تحريريا للإنسان والأوطان من قبضة الاستبداد والتحكم الخارجي، كما يكره هذا القطاع المغيب الوعي قناة الجزيرة رغم أنها أثبت كونها جنديا قويا جدا في طوفان الأقصى لا تضاهيها وسائل إعلامية أخرى في كشف جرائم العدو وتسويق خطاب المقاومة وإنجازاتها…إلى هذه الدرجة وصلت حالة الذهول التي اجتاحت الأمة.
إننا في حاجة إلى استثمار طوفان الأقصى لإعادة بناء وعي الأمة وإحياء جذوة الأمل فيها ورفعها إلى مستوى وظائف العبادة والخلافة والعمارة، فاليهود يسعون إلى استعادة ما يسمونه مملكة داود، والفرس إلى إحياء الإمبراطورية الفارسية، والأتراك إلى نفخ الروح في الخلافة العثمانية بينما يحيي الأعراب الجاهلية في جزيرة العرب.