من ثغور جهاد المرأة الجزائرية

أ.د حجيبة أحمد شيدخ/ لم يكن المستدمر الفرنسي مستثنيا لواحد من فئات المجتمع في إلحاق الأذى به بشكل أو بآخر، وإن كانت كتب المؤرخين لم تسجل أسماء كثيرات من نساء الجزائر في حمل السلاح مع المجاهدين، فإن جهاد المرأة الجزائرية أثناء الثورة كان جهادا متنوعا. لقد كانت المرأة الجزائرية أثناء الثورة تعيش رعبا كبيرا، خوفا …

يوليو 8, 2025 - 12:39
 0
من ثغور جهاد المرأة الجزائرية

أ.د حجيبة أحمد شيدخ/

لم يكن المستدمر الفرنسي مستثنيا لواحد من فئات المجتمع في إلحاق الأذى به بشكل أو بآخر، وإن كانت كتب المؤرخين لم تسجل أسماء كثيرات من نساء الجزائر في حمل السلاح مع المجاهدين، فإن جهاد المرأة الجزائرية أثناء الثورة كان جهادا متنوعا.
لقد كانت المرأة الجزائرية أثناء الثورة تعيش رعبا كبيرا، خوفا على زوجها أو ابنها في صفوف المجاهدين، وبعضهن على أبنائهن الصغار الذين حرموا من حنان الأب، ومن المداهمات والتفتيش الدائم للبيوت. وتعرض الشابات للمضايقات الكثيرة من جنود المستدمر. لم تكن الأسرة الجزائرية بكل أفرادها تشعر بالأمن والأمان. وقد عشنا كل ذلك مع أمهاتنا من خلال ذكرياتهن عن أيام الثورة.
كانت المرأة ترقب المستقبل بعين حذرة، أما وزوجة وبنتا وأختا، لأنها كانت تسمع باستشهاد المجاهدين الذين لا تنقطع أخبارهم …ونحن نشاهد ما يحدث في غزة، أحيا فينا ذلك تجربة الجزائر في مقاومتها للاستدمار وكرهنا الدائم له، ذلك الذي لا يعرف إلا الشر والفساد …تدمير البيوت، الإخلاء، التهجير، الإبادة والحرق …لغة واحدة تتذكرها نساء الجزائر وهن يشاهدن ما يحدث في غزة …وقد كانت ولا زالت معاناة الجزائر من ويلات فرنسا الظالمة من أسرار وقوفها صامدة مع القضية الفلسطينية.
لقد شاركت كل أطياف المجتمع الجزائري في طرد المستدمر من الوطن، لكننا نلاحظ أننا وبعد سنوات من الاستقلال لا تزال الكثير من النساء إِماءً للفكر الغربي لسانا ومظهرا، وأنا أزور العاصمة رافقت أبنائي إلى مركب تجاري فأصبت بإحباط كبير، نساء وبنات كاسيات عاريات بمناظر مؤسفة، لغتهن الفرنسية، وتفنن في العري والتكشف. قلت في نفسي: هل يمكن أن يكون الولاء للغرب وتقليد المغلوب متجذرا في مجتمعنا بهده الطريقة، وإلى متى يتحقق الاستقلال بمفهومه الواسع للإنسان العربي المسلم ؟.
لقد خرج المستدمر بأسلحته وعتاده، لكنه لا زال يستحمر كثيرا من أبنائنا ثقافيا، ويتجلى لك ذلك في حب الكلام بلغته، وهذا يعني في كثير من الأحيان التفكير بها، لازلنا لم نصل إلى مستوى الوعي بمفهوم الاستقلال الصحيح ونحن نرى أبناءنا يتهافتون على السفارات الأجنبية والفرنسية بخاصة، كأنهم سيرحلون إلى الجنة. هل يمكن أن تأتي صدمات أكثر من صدمة ما يحدث في غزة لتفهم الشعوب العربية أنها بالنسبة للمشاريع الغربية لا حق لها في الحياة الكريمة، وأنها كلها مستهدفة؟
إن واجب النساء الجزائريات أن تفهمن أن ملاذنا هو ديننا، وأن لغتنا لغة القرآن لابديل عنها في لساننا وتفكيرنا، وأن جهاد المرأة في الحاضر قد يكون أصعب من الجهاد وقت الثورة، ذلك لأن الاستدمار تنوعت جنسياته ووسائله. ..وقد أعطتنا نساء غزة مثالا رائعا للمرأة الفاعلة العاملة بدينها، ففي غزة لم نر امرأة دون حجاب؛ لقد كانت تخرج من تحت الأنقاض محجبة تتلمس خمارها كي لا تكشف أمام الغرباء، رأينا أبناء غزة حافظين للقرآن متحصنين عقديا، واثقين بالله برغم كل مظاهر الدمار والآلام … كانت غزة محاصرة قبل السابع من أكتوبر لكنها انفتحت على القرآن وعمارة أرضها الصغيرة ، فكانت عصية على الصهاينة الجبناء؛ إذ لولا قوى الظلم التي دعمتها بكل أنواع الأسلحة المادية واللوجيستية والسياسية لما استطاعت مجابهتها ولأعلنت فشلها في وقت قصير ….
إن الجهاد بالنسبة للمرأة الجزائرية هو عقيدة متوارثة وفعل متواصل ومتنوع غير مرهون بوضع معين ولا بمرحلة زمنية حكمها الاستدمار.