هذا ما كتبه الأستاذ توفيق المدني عن 8 ماي 1945

«ففي يوم 8 مايو /أيار سنة 1945 احتفل العالم الغربي «الحر…» بعقد الهدنة مع ألمانيا. وأراد الجزائريون أن يشاركوا في هذا الاحتفال، وأن يتخذوا منه وسيلة لإظهار عواطفهم، وبيان أهدافهم، لكن الاستعمار كان قد هيأ برنامجه، واختار مكان المعركة، فما كادت مظاهرة سلمية تقع بمدينة سطيف صبيحة ذلك اليوم، حتى تحرش بها الفرنسيون بدعوى أن …

مايو 12, 2025 - 13:55
 0
هذا ما كتبه الأستاذ توفيق المدني عن 8 ماي 1945

«ففي يوم 8 مايو /أيار سنة 1945 احتفل العالم الغربي «الحر…» بعقد الهدنة مع ألمانيا. وأراد الجزائريون أن يشاركوا في هذا الاحتفال، وأن يتخذوا منه وسيلة لإظهار عواطفهم، وبيان أهدافهم، لكن الاستعمار كان قد هيأ برنامجه، واختار مكان المعركة، فما كادت مظاهرة سلمية تقع بمدينة سطيف صبيحة ذلك اليوم، حتى تحرش بها الفرنسيون بدعوى أن المتظاهرين كانوا يرفعون علما جزائريا، وقتل محافط البوليس بيده، غلاما مسلما كان يرفع العلم، فكان ذلك الحادث إيذانا بالاندفاع في مذبحة من أفظع وأقذر المذابح الاستعمارية في العالم.
واجتمع على المسلمين في الجهة الممتدة بين سطيف، وخراطة، وقالمة، رجال الجند الفرنسي بين مشاة وطيارين وفرق مصفحة، ورجال البحرية الفرنسية الذين كانوا مستعدين على السواحل، ورجال الأوربية الذين كانوا قد تسلحوا واستعدوا لذلك اليوم الأحمر.
وفتح الجميع موسم الصيد الآدمي، وطورد المسلمون في المدن والقرى والمداشر كما تطارد السباع في الغابات، وعمت المذابح فذهبت ضحيتها القرى العديدة، لم ينج منها رجل ولا امرأة ولا صبي، وكانت المصفحات الفرنسية تسير صفا فتدمر القرى على رأس من فيها من رجال ونساء وأطفال، حتى تسوى بها وبما فيها الأرض، فكانت الدماء غريزة وقد صبغت بلونها الأحمر، وبصفة ظاهرة أمكنت المصورين من أخذ مناظر لها من الطائرات. وهنالك قرى أخرى، دمرت بالطائرات تدميرا فلم يبق منها شيء.
أما بالمدن الكبيرة، كسطيف، وقالمة، فكان رجال «المليشيا» من المتطوعين الأوربيين يهاجمون الديار، ويقبضون على النخبة المثقفة الجزائرية، ويذهبون بها خارج المدينة ويأمرونها تحت تهديد الرشاشات بحفر القبور الجماعية، ثم يقتلون الفوج إثر الفوج، ويأمرون كل فوج بدفن الفوج السابق.
أمّا النساء فقد أُهنّ شرّ إهانة، وانتهكت حُرُماتهنّ انتهاكا جديرًا بأعمال وحوش الاحتلال الأوّلين وقُطِعت آذانهنّ مِن أجل الأقراط، وأيديهنّ مِن أجل الخواتم، وأرجلهنّ مِن أجل الخلاخل، وكان الجُند يتباهى بتلك الغنائم! ويتفاخر بالإحراز على أكبر عدد منها.
دامت المذبحة أيامًا وليالي سوداء، وأسفرت عن مقتل 45 ألفا من المسلمين واضمحلال قرى كاملة وخراب جهات فسيحة، وإعدام النخبة المفكرة في كامل الجهة.
ولولا تدخل رجال من الأحرار اندفعوا ينصرون الحق ويندون بالمذبحة، ولولا ضجة عالمية قامت ضدّ هذه الجريمة المنعدمة النظير لكان قد حلّ بالمسلمين سنة 1945 ما هو واقع ببلادهم اليوم من جراء الثورة الكبرى.
توفيق المدني «هذه هي الجزائر»، ص 177.