الجزائر، والحلم الإفريقي
لطالما كان حلم الجزائر الاستراتيجي، نسج العلاقات البينية مع دول القارة الإفريقية بدءا من شمالها فساحلها الجنوبي فعمقها الداخلي، وهذا على نفس الوتيرة والبعد مع دول منطقة الشرق العربي والشمال الأوروبي. موقع الجزائر الكبير الساحلي، المتوغل في العمق الإفريقي، والذي يجعل منها اليوم أكبر دولة إفريقية مساحة، يؤهلها للعب دور الجسر بين الشمال والجنوب ومع […] The post الجزائر، والحلم الإفريقي appeared first on الشروق أونلاين.


لطالما كان حلم الجزائر الاستراتيجي، نسج العلاقات البينية مع دول القارة الإفريقية بدءا من شمالها فساحلها الجنوبي فعمقها الداخلي، وهذا على نفس الوتيرة والبعد مع دول منطقة الشرق العربي والشمال الأوروبي. موقع الجزائر الكبير الساحلي، المتوغل في العمق الإفريقي، والذي يجعل منها اليوم أكبر دولة إفريقية مساحة، يؤهلها للعب دور الجسر بين الشمال والجنوب ومع دول المشرق العربي وآسيا.
لطالما كان هذا الحلم، مبتغى وإن تعذر أحيانا تحقيقه لأسباب جيوسياسية متقلبة منذ حصول الجزائر على استقلالها، كان أقصى ذلك مع تجربة فترة الراحل هواري بومدين، الذي دعم فكرة “الوحدة الإفريقية” ومشروع تحرير إفريقيا واستقلالها اقتصاديا عبر التعاون البيني والاندماج الحدودي في بعض الأحيان مع بعض دول المنطقة شمالا وجنوبا. غير أن هذه التجربة، التي أثمرت لعدة سنوات تقاربا اندماجيا كبيرا اقتصاديا وسياسيا مع الساحل الإفريقي خاصة، باعتماد سياسة التقارب الاقتصادي عبر معارض كبرى كمعرض آسيهار في تمنراست، على سبيل المثال، والتقارب الثقافي عبر كبريات المهرجانات الإفريقية في الجزائر ومعارض واتفاقيات ثنائية للتبادل والتجارية والنقل والتعاون في مجال التعليم والتكوين والأمن وتطوير الاتصالات والعلاقات الثقافية والرياضية، ودعم قضايا التحرر الوطني في المنابر العالمية بدءا من القارة الإفريقية واتحاد المغرب العربي.
غير أن هذه المطامح والتحديات، سرعان ما واجهتها عراقيل بسبب التدخلات الخارجية، لاسيما دولة الاستعمار السابقة لشمال وجنوب القارة، التي عرقلت سبل التواصل والتنمية وعملت على فرض إكراهات وقيود وضغوط، أجهضت في النهاية هذا المشروع النهضوي الإفريقي الضخم.
بقي الحلم، وإن اختفى عمليا طيلة عقود، قبل أن يعاد إحياؤه من جديد عبر رؤية التغير الجديدة لدى قادة سياسة التغيير الجديدة ما بعد حراك 2019 ومجيء الرئيس عبد المجيد تبون إلى سدة الرئاسة، حاملا لواء التغيير على خطى الراحل هواري بومدين. غير أن هذه العودة جاءت في ظروف مغايرة غير تلك التي كانت الجزار تعيشها سنوات التجربة “الاشتراكية”، أو بالأحرى تجربة “رأسمالية الدولة” التي رسخها مشروع “ديبرنيس” التنموي في السبعينات.
عاد الأمل والعمل مع دخول العالم والجزائر والقارة بشمالها ساحلها ووسطها وجنوبها، مرحلة تغيير كبرى أكثر شمولية وأعقد من مرحلة التحرر السياسي من قبضة الاستعمار الكلاسيكي: العولمة، والتوسع والابتلاع. سياسة لا يمكن للقارة أن تبقى منفردة منعزلة مهمشة عن حركية العالم المتحرك الشاملة، وبعيدا عن التحديات المستقبلية، ذات الإرث التاريخي الاستعماري.
من هذا الباب، وعبر بوابة العودة إلى العمل الافريقي والجواري البيني، تسعى الجزائر اليوم نحو بناء جسور جديدة للتعاون والتبادل والاندماج مع كل الدول الراغبة في التعاون على أساس وعلى قاعدة العمل المشترك المفيد لكل الأطراف والضامن لمصالحها البينية ولصالح المنطقة والقارة.
هذا التحرك نحو العمل الخارجي، بعد غياب لنحو عقدين، نجم عنه تعقيد في الأوضاع وخلق ظروفا غير مريحة أمام عودة الجزائر كقوة فاعلة إقليميا وقارية وعالميا، مع ذلك، لم يمنعها اليوم من أن ترمي بثقلها في كل هذه الاتجاهات، مؤمنة وعاملة على كسر الحواجز التي وضعها القوى الاستعمارية التاريخية، في القارة وخارج القارة، وعلى الحدود، وهذا ما سمح للجزائر بالعودة، وبقوة إلى العمل البيني القاري والإقليمي، بناء على قواعد جديدة قديمة، أساسها التنمية المستدامة وربط الإفريقي بأرضه عبر التنمية، ضمانا لأمنها الاقتصادي واستقرارها السياسي وتثبيت اليد العاملة والأدمغة المهاجرة، التي تنتجها الجامعات والمؤسسات الإفريقية اليوم بقوة وكفاءة.
بداية، قد تكون فاتحة لتكملة سياسية شاملة لمناطق التبادل الحرة جنوبا، من أجل آفاق أكثر رحابة.
شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين
The post الجزائر، والحلم الإفريقي appeared first on الشروق أونلاين.