رفع الحظر عن المادة 15-4 من اتفاقية سيداو بين التخوّف والتطمين

د.الربعي عمير/ منذ أن أشرقت شمس الإسلام وانتشرت أحكامه وسادت شريعته في الجزائر خلال القرن الأول الهجري والأسرة الجزائرية تعيش في كنف أحكام الإسلام العادلة المصلحة، واستقر أمرها على ذلك الحال حتى خلال الحقبة الاستعمارية الغاشمة التي دامت قرنا وثلث قرن والتي صاحبها إلغاء أحكام الشريعة والتحاكم إليها في مختلف الميادين سواء المدنية أو الجزائية …

سبتمبر 2, 2025 - 15:59
 0
رفع الحظر عن المادة 15-4  من اتفاقية سيداو بين التخوّف والتطمين

د.الربعي عمير/

منذ أن أشرقت شمس الإسلام وانتشرت أحكامه وسادت شريعته في الجزائر خلال القرن الأول الهجري والأسرة الجزائرية تعيش في كنف أحكام الإسلام العادلة المصلحة، واستقر أمرها على ذلك الحال حتى خلال الحقبة الاستعمارية الغاشمة التي دامت قرنا وثلث قرن والتي صاحبها إلغاء أحكام الشريعة والتحاكم إليها في مختلف الميادين سواء المدنية أو الجزائية باستثناء الأحكام المتعلقة بالأسرة فقد ظلت الأمة الجزائرية متمسكة في مجال الأحوال الشخصية بالشريعة الإسلامية ثابتة عليها، عدا ما يتعلق بتوثيق العقود في المحاكم الفرنسية وتسجيل المواليد واستحداث الألقاب العائلية وهذا لم يكن تشريعا يخالف نظام الأسرة الجزائرية المسلمة ولا منافيا لمقاصدها، وبعد استقلال الجزائر والبلدان الاسلامية من قبضة الاستعمار العسكري الغربي بدأت تظهر الاتفاقيات الدولية التي تهدف إلى تعميم ثقافة العالم الغربي وهويته التي لا تحتكم إلى قيم الفطرة البشرية السامية ولا إلى مبادئ تحفظ النسل أو تحمي العرض، بل جلها اتفاقيات تضاد ذلك، وكان المستهدف بالخصوص بلاد الإسلام التي يقوم دينها على الفطرة السوية ونشر القيم النبيلة، وكان ذلك مسلكا استعماريا حديثا غايته سلخ المجتمعات الإسلامية من قيم دينها بعدما فشل احتلالها عسكريا…
وبما أن الأسرة المسلمة هي نواة المجتمع المسلم وعليها يتوقف صلاح الأجيال واستمرار كيان الأمة فإنها خصت ببعض تلك الاتفاقيات الغربية الهدامة التي اتخذت من الحرية المطلقة للمرأة ومساواتها التامة بالرجل سواء بسواء، ولو في الجوانب التي تختلف مع فطرة كل جنس منطلقا لتحقيق أهدافها بتجريد المجتمعات ولاسيما الإسلامية منها من كل القيم والمبادئ والأعراف تقوم عليها الحياة الأسرية… وكان من أخطر تلك الاتفاقيات الدولية: “اتفاقية القضاء على جميع مظاهر التمييز ضد المرأة”(سيداو: ÇEDAW) الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة سنة 1979، والتي تأخر انضمام الجزائر إليها إلى منتصف التسعينات حيث قررت سنة 1996 السلطة الجزائرية المصادقة عليها مع تسجيل التحفظ على كل المواد والبنود التي تعارض قوانين الجمهورية، خصوصا قانون الأسرة المستمد من أحكام الشريعة الإسلامية،
وبعد أقل من عقد من الزمن تمت تعديلات في قانون الأسرة مست بعض مواده بالإلغاء التام أو الاستبدال بمواد أخرى أو استحداث مواد جديدة، وهو ما أخل باستمداد قانون الأسرة في بعض مواده من أحكام الشريعة الإسلامية عامة والمذهب المالكي خاصة، ومهد الطريق لرفع التحفظ عن بعض البنود التي تم التحفظ عليها سنة 1996 من اتفاقية سيداو، فجاء مرسوم 426-08 برفع التحفظ عن الفقرة الثانية من المادة 9 التي تسوي بين الأب والأم في جنسية الطفل، ولم يمس رفع التحفظ سواها رغم التعديلات التي مست قانون الأسرة سنة 2005 والتي كانت لها آثار سلبية على استقرار الأسرة ما جعل نسبة حالات التفكك والانفصال الأسري في تزايد مستمر أمام تراجع نسبة الزواج وكثرة عزوف الشباب عنه وتزايد نسبة العنوسة.
وبدل السعي في علاج تلك الأمراض التي تعاني منها الأسرة الجزائرية يتفاجأ الرأي العام بالمرسوم الرئاسي 218-25 الذي ينص على رفع التحفظ عن المادة 15-4 من اتفاقية سيداو التي تلزم جميع الدول المصادقة على الاتفاقية الدولية برفع جميع صور وصاية الرجل على المرأة في التنقل والسفر والإقامة، والتي تم التحفظ عليها سابقا منذ سنة 1996 بناء على معارضتها لقيم المجتمع الجزائري وأحكام الشريعة الإسلامية التي تقوم عليها أسس الأسرة الجزائرية خصوصا ما يتعلق بولاية الأب على بناته وكذا القوامة الزوجية للرجل على زوجته والتي تلزمه بحق الزوجة في السكن اللائق بالأسرة، مقابل حقه عليها في لزوم بيت الزوجية وعدم النشوز عنه، وطاعته في المعروف بأخذ إذنه في خروجها أو تنقلها وسفرها.
إضافة إلى منافاة مضمون تلك الفقرة لعادات المجتمع الجزائري وثقافته الاجتماعية والأسرية التي دأب عليها قرونا من الزمن، وهو الأمر الذي لقي رفضا من مختلف شرائح المجتمع، خوفا من خطورة الإلزام القانوني الذي تفرضه تلك الاتفاقية بفتح الباب على مصراعيه للمرأة في خروجها وسكنها وتنقلها وأسفارها، الذي يجعل المجتمع أمام إشكالات عويصة ومفاسد مستعصية قد تعصف بتركيبة الأسرة المسلمة بسلبها خصوصياتها التي رسمتها الشريعة الإسلامية حفظا للمقاصد الكلية الكبرى ولاسيما حفظ العرض والنسل، وأمام موجة الاستنكار والرفض لرفع الحظر عن تلك المادة ظهرت بعض الكتابات الرسمية والأصوات القانونية تطمئن الجزائريين بعدم ترتب أي تبعات على الأسرة الجزائرية وعلى التشريعات الحاكمة لها، إضافة إلى بعض المواقف التي يعتبر أصحابها أن رفع الحظر ما هو إلا مطابقة للواقع المعيش وصلت إليه مختلف الأسر الجزائرية التي صارت فيها المرأة زوجة أو بنتا أو أما تتنقل وتسافر وتسكن وفق حريتها سواء مع رغبة وإذن من لهم عليها القوامة والولاية أو لا.
ولذا كان لزاما بيان هشاشة تلك التطمينات غير المؤسسة ولو صدرت من بعض الجهات الرسمية كبيان وكالة الأنباء الجزائرية الذي ربط رفع الحظر عن المادة 15 -4 بزوال موجب التحفظ المتمثل في المادة 37 من قانون الأسرة قبل تعديله سنة 2005، وبناء على ذلك ركز البيان على طمأنة الجزائريين ونفي أي تعديلات ستطرأ على التشريعات الوطنية الخاصة بشؤون الأسرة. ومما أثار استغراب المختصين وغير المختصين أن المادة 37 من قانون الأسرة السابق (1984) لم تتطرق من قريب أو بعيد إلى مسألة تنقل المرأة ومسكنها وإقامتها بل غاية ما تضمنته هو التنصيص على بعض واجبات الزوج في فقرتين،
الأولى: خصت بإلزام الزوج بالنفقة على زوجته…
والثانية: نصت على وجوب العدل بين الزوجات على من تزوج أكثر من امرأة. حيث جاء نص المادة قبل التعديل كالآتي: نص المادة 37 قبل تعديل 2005: [[المادة 37: يجب على الزوج نحو زوجته:
1- النفقة الشرعية حسب وسعه إلا إذا ثبت نشوزها، 2-
العدل في حالة الزواج بأكثر من واحدة.]]. هذه المادة تم تعديلها بما لا يلغي مضمونها ويضمن للزوجة ذمة مالية مستقلة حيث جاء نصها بعد تعديل 2005: [[المادة 37: (أمر رقم 05-02 المؤرخ في 27 فبراير 2005) لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر.
غير أنه يجوز للزوجين أن يتفقا في عقد الزواج أو في عقد رسمي لاحق، حول الأموال المشتركة بينهما، التي يكتسبانها خلال الحياة الزوجية وتحديد النسب التي تؤول إلى كل واحد منهما]].
ورغم التعديل إلا أن هذا الحق باق من حقوق الزوجة الواجبة على الزوج كما أفادته مواد أخرى من قانون الأسرة. فالزعم بأن رفع التحفظ جاء بناء على زوال موجبه تبرير مجانب للصواب، وباعث للارتياب، ومخل بمصداقية ما جاء في البيان من تطمين يتعلق بنفي تغيير التشريعات الوطنية بسبب رفع التحفظ.
وما يجعل تخوف الجزائريين من خطورة رفع الحظر في محله أن المادة 154 من الدستور الجزائري الأخير صريحة في اعتبار كل الاتفاقيات الدولية التي يتم المصادقة عليها حاكمة على القوانين الوطنية كونها تسمو عليها، حيث جاء نصها كالآتي: {المادة 154: المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون}.
والأمر الآخر أن الفقرة 4 من المادة 15 المتحفظ عليها سابقا جاءت مطلقة غير مقيدة وعامة غير مخصصة تقضي برفع جميع أشكال الوصاية على المرأة في تنقلها وسفرها وسكنها، وبناء على الدستور الجزائري فقد أصبح الجزائريون بعد رفع الحظر محكومين بهذه المادة لا بالتشريعات الوطنية التي تخالفها، بل مضمون المادة والدستور الجزائري ملزم للسلطة التشريعية بعد رفع التحفظ بتعديل كل القوانين الوطنية التي تخالف الاتفاقية.
وأما أولئك الذين اعتبروا رفع التحفظ ما هو إلا تطبيق لواقع معيش في الأسرة الجزائرية كون المرأة تخرج وتسافر وتتنقل بكامل حريتها لا يمنعها أحد، فهؤلاء لم يتصوروا جيدا ما تقتضيه تلك المادة من حرية مطلقة للمرأة ترفع عنها جميع أشكال الوصاية والولاية من الرجل كما هو الشأن في المجتمعات الغربية وما هو موجود في واقع بلادنا ليس من ذلك القبيل بتاتا إلا ما كان من أسر أو فئات قليلة لا يبنى الحكم عليها… فهي من قبيل الشاذ الذي لا يقاس عليه، بل السواد الأعظم من الأسر الجزائرية لا تزال فيها القوامة للرجل وخروج المرأة من البيت أو سفرها وتنقلها ومسكنها بعيدا عن مسكن العائلة كل ذلك لمصلحة إما لحاجة أو ضرورة وبرضا وموافقة الآباء أو الأزواج.
ولذا فإن أصحاب هذا التحليل قد التبس عليهم وجود تلك الحرية بناء على إذن وموافقة صاحب الولاية أو القوامة من الرجال آباء كانوا أو أزواجا، ووجود هذه الحرية المطلقة كأمر حتمي يحميه القانون للمرأة بعيد عن وصاية الرجل فيتم حينها تجريد الرجل من حق الاستشارة والاذن والمنع بما يراه أصلح لابنته أو زوجته، فتصبح المرأة ببلوغها سن الرشد القانوني لها كامل الصلاحيات في خروجها وولوجها وفي سفرها وتنقلها في سكنها وتحويله، وهذا يجعلنا أمام مستقبل صعب تصور مآلاته بخصوص صورة الأسرة في المجتمع الجزائري وطبيعة العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة والرابطة العائلية بين الآباء والبنات خاصة.