عجز الفكر الإسلامي في أربع قضايا مهمة‪‎‬‬

المسعود سراي ازعم إنني قرات كثير من تاريخ العرب والمسلمين أحداثا وأفكارا ليست قراءة المتخصص وإنما قراءة الشغوف الهاوي الذي يريد أن يطلع عن تاريخ أسلافه ولكن من زاويتين متقابلتين أولاهما ما يقوله وكتبه المسلمون والعرب هم أنفسهم عن أنفسهم فتجد انهم مدارس و طرائق شتى تعكس وجهات نظرية متعددة وإن كان الأمر مبرر ذاك …

يوليو 23, 2025 - 20:53
 0
عجز الفكر الإسلامي في أربع قضايا مهمة‪‎‬‬

المسعود سراي

ازعم إنني قرات كثير من تاريخ العرب والمسلمين أحداثا وأفكارا ليست قراءة المتخصص وإنما قراءة الشغوف الهاوي الذي يريد أن يطلع عن تاريخ أسلافه ولكن من زاويتين متقابلتين أولاهما ما يقوله وكتبه المسلمون والعرب هم أنفسهم عن أنفسهم فتجد انهم مدارس و طرائق شتى تعكس وجهات نظرية متعددة وإن كان الأمر مبرر ذاك أن الإسلام احتوى ثقافات وأعراق مختلفة لكن المتفحص يلمس أن هناك نقاط مشتركة بين كل هذه النظريات أهمها التوغل في الذاتية وتفخمها مما أنتج حالة نفسية عامة تتسم بالنرجسية القومية المفرطة أو نظرة شعوبية عنصرية حاقدة عملت على أن تمجد الإسلام وتمقت العرب وذلك بهدف الفصل بينهما وإتاحة إمكانية ترويض الإسلام الذي لسانه العربية الى محتوياتهم الحضارية والثقافية الخاصة وتطور الى حد الانتقاص منهما معا في بعض المرات كدعوات أحياء ثقافات الحقب الوثنية‪ ‬.‬

نظرة الآخر

والزاوية الثانية ما يقوله عنهم غيرهم من غير المسلمين من مختلف الأجناس والأديان وهم في ذلك أيضا طرائق شتى فمنهم من يمقت العرب والمسلمين إلى حد يرجع فيه جميع شرور العالم وأزماته وكل ما فيها من سوء لهذه الحضارة التي سادت العالم قرون عديدة وبين هذا وذاك يوجد من دارسي الأفكار من يتصف بالموضوعية و القدرة الذهنية على تقدير الأمور تقديرا علميا مراعي في ذلك الحق والعدل والإنصاف وتجد هؤلاء في الشرق والغرب كالمؤلفة الألمانية زيغيد هونكة في كتابها “شمس الله تستطع على الغرب” وول ديورانت في كتابه” قصة الحضارة” وكثير من الباحثين المستشرقين المنصفين‪ …‬‬
غير أن المتأمل في فكرنا وتاريخنا لا شك سيجد أن هناك بعض القضايا الإنسانية لم يكن لنا فيها القول الفصل وإنما أراء تتصف بالضبابية والمواربة والتصريح بما يعاكس العقل والواقع وكانت ومازالت من أسباب عدم فعاليتنا حضاريا ويمكن أن نلخص بعضها في المحاور التالية
‪/1/ ‬محور الحريات الفردية والجماعية وحقوق الإنسان الطبيعية والسياسية بحيث نجد أن عقلنا الفكري الذي غلب عليه العقل الفقهي لم يكن يصل الى صياغة بيان واضح يحدد فيه مفاهيم واضحة للحقوق الطبيعية التي اساسبها حق الحرية بل إن المتتبع للشأن العام يجد أن فلسفتنا في ذلك كلها استبدادا وتسلطا وقمعا و طاغوتية مغلفة بالدين أحيانا ومتبجحة بالقومية أحيانا أخرى فإن أقيم العدل سنينا معينة نتيجة عدالة شخص معين فإن عهودا من الظلم والاستبداد وقهر الشعوب ترسخت استجابة لنزوات ورغبات كثير من الأمراء والسلاطين المتجبرين حيث الواحد منهم يضع في يمناه سيفا وفي يسراه مصحفا مرتديا جلابيب يختبئ تحتها الطغيان والتقوى وفي ليلة واحدة أما في ألف ليلة المتبقية فينغمس السلطان في أقداح الخمر المرصعة بالمرجان وتلمس الجواري والحسان فلم نورث في ذلك تفلسف عميق في الحكم. ولا مناهج عادلة في القانون ولا دساتيرا في آلية الحكم . تثور الرعية لتنصب سلطان عوض سلطان وأميرا مكان أمير ومستبد مكان مستبد ،فهذا يكني نفسه الظاهر والأخر القاهر وهذا الحاكم بأمر الله والأخر سيف الحكم وذاك صدره وذلك حاجبه ويبنون المدن ليس من أجل المدنية وأمن الرعية ليجعلها محروسة والأخرى قاهرة وتلك مهدية‪ .‬‬‬
إذن لم نحصل إلا على فقر في الوعي السياسي والاجتماعي ولم نبدع أساليب حكم تتحدد فيها العلاقة بين الحاكم والمحكوم ولم نبتكر قوانين ترسم حدود العلاقة بين السلطة والشعب ولم نعرف مثل هذه المصطلحات السياسية إلا من الفكر الغربي‪ .‬‬

التراث الفقهي

والعجيب أن تراثنا الفقهي تناول كل تفاصيل الحياة الروحية والمعاشية والأسرية والتجارية إلا باب واحد كان بغفل عنه خوفا وعمدا فلا تجد فيه إلى الحقوق السلطانية أي حقوق الملك عند الرعية ولكن لا نجد حقوق الرعية على الملك والسلطان وبذلك يسهبون في شرح واجب طاعة ولي الأمر بصورة مطلقة ودون قيد الى درجة أن وصلت مقام العبادة، ويغفلون عن ذكر الواجبات التي على ولي الأمر لمن تأمر عليهم من الشعب وما لهم من حقوق عليهم في توفير أمنهم وسلامتهم وتحسين معاشهم وأمانهم
‪/2/ ‬محور العبودية والرق واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان بل المسلم لأخيه المسلم ناهيك عن غير المسلم ورغم وجود كم هائل من الأوامر الربانية و السنن القولية والفعلية التي تحث على عتق الرقاب ودفع المظالم ومناصرة الضعيف وقول كلمة الحق عند السلاطين الظالمين من منطلق أنها من أفضل العبادات ومن ارقى مراتب فرض الجهاد ومن أهم ما يتقرب به العباد الى رب العباد فإننا نجد تاريخنا مملوء بالاغتصاب للحقوق والاستغلال للأموال ونهب الحقوق واستعباد الناس واحتقارهم فهؤلاء يعتبرون أنفسهم إشراف والاخرين”حراطين”واعاجم وسودان حتى الفقه انقسم إلى قسمين فقه للأحرار والخواص وفقه للرقيق والجواري والخدم من أجراء وخماسين وفاعلين‬
ولم نفقه ثقافة حقوق الناس وكرامة الإنسان إلا بعد احتكاكنا بالفكر الغربي فرحنا نبحث في تراثنا وتاريخنا على ما يدعم هذا التوجه الإنساني النبيل لاشك أن كتاب الله وسنة نبيه تتضمن جانب عظيم من هذه الأبعاد ولكن لم تتجاوز مستوى التعبد الفردي لفرد يريد أن يتطهر من آثامه وذنوبه فلا يحرر العبد إلا عندما نرتكب الخطيئة ولا نرتقي بالجارية الى مرتبة الزوجة الحرة إلا بعد إنجابها للأولاد.ولكن لم نصل إلى مرتبة يتم فيها تحريم الرق كما حرم الخمر والزنا والظلم …وهذا قصور في. فهم مقاصد الشريعة التي جعلت طرق عديدة لتجفيف منابع الرق والاستعباد

نصوص و أقوال

محور المرأة عامة والمسلمة خاصة لا يوجد مجتمع يعيش التناقض بين نصوصه وأقواله وواقعه متل مجتمعاتنا بحيث نجد النصوص تعطي للمرأة حريتها وحقها وميراثها وإرادتها في التصرف لكنها بقيت مجرد نصوص ولم تتحول أبدا إلى قوانين تلزم الجميع بتطبيقعها واحترامها فكان الفرد مسلم في كل شيء إلا في تعامله مع المرأة زوجته كانت أو ابنته أو امه يتحول الى فرد من حقبة الجاهلية ولذلك نقدر أن نحكم انه لا يوجد موجود تعرض للتعسف ولهضم للحقوق وللحقرة والتسلط والحرمان والمهانة مثلما تعرضت له المرأة العربية والمسلمة في تاريخها لقد استمرت الأعراف والرؤية الجاهلية في تصور الأنوثة وكأنها عار وعيب الى وقت قريب . بل الأدهى أن هذه التصورات الظالمة لبست مسوحا دينيا وتم حتى التعدي بأهواء فقهية على حدود الله فحرمت الأخوات من ميراثهن واختيارهن وتعلمهن وأكاد اجزم أن ما ساهم في تردي وضع المرأة تاريخيا هو حرمانها المتراكم من حقوقها المادية وان ما نسبة ثمانون في المائة عبر التاريخ لم تمنح لها حقوقها في الميراث وكان يغتصب غصبا ووضعت في ذلك أعرافا وعادات تغلبت على الشرع بل وصل الأمر في بعض الأحيان إلى حرمانها من الزواج

الحرية كقيمة

ولو أعدنا الأمور إلى نصابها الصحيح انتقلت ملكية معظم الموارد الاقتصادية إلى النساء ..لأن هناك قرونا من الحرمان والظلم
حرية الإنسان في التفكير والمعتقد وإبداء الرأي ومشاهده ما يعانيه مجتمعنا من استبداد في الأسرة والمجتمع والعائلة عندما نختلف عن ما هو سائد ومألوف في التصرف وفي اللباس وحتى في التصور النقدي وعليه فإننا لم نكتسب ميزة التعايش مع المختلف والمخالف وإنما سيتعرض للاستهجان والرفض ونتج عن ذلك كم فضيع من النفاق والتظاهر أمام بعضنا البعض بالمحبة ونحن نتباغض وبالرضى ونحن نتحاسد وبالاجتماع ونحن مفارقين…أن كل هذه الآفات المدمرة للتماسك الأسري والاجتماعي لا يمكن معالجتها إلا باعتقاد أن الناس أحرار في تصوراتهم وطرق معاشهم وتطلعاتهم وأذواقهم واختياراتهم أن الإنسان خلقه الله حرا وكلفه من منطلق أنه عاقلا حرا ..فكبف تريدونهم أن لا يكون أحرار‪ ..‬‬
ومجمل القول إن المجتمعات الحية هي التي تعي تاريخها وتدركه بحيث تحرص على الإيجابي النافع وتتجاوز السيء المعيب الذي يعرقل تقدمها ويهدد استقرارها وهناء أفرادها‪ ….‬‬

سراي مسعود