نحو حوار متوازن بدل سياسة التصنيفات
بقلم: آلاء أسيل بوالأنوار في سياق دولي يتسم بتعقيداته السياسية والاقتصادية، تبرز قضية إدراج الجزائر ضمن قائمة الاتحاد الأوروبي للدول “ذات المخاطر العالية” في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، كمحطة تستوجب قراءة قانونية هادئة، وتحليلًا سياسيًا متزنًا. فالمسألة تتجاوز مجرد ترتيب أو تصنيف، إلى …

بقلم: آلاء أسيل بوالأنوار
في سياق دولي يتسم بتعقيداته السياسية والاقتصادية، تبرز قضية إدراج الجزائر ضمن قائمة الاتحاد الأوروبي للدول “ذات المخاطر العالية” في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، كمحطة تستوجب قراءة قانونية هادئة، وتحليلًا سياسيًا متزنًا.
فالمسألة تتجاوز مجرد ترتيب أو تصنيف، إلى مقاربة فلسفية أعمق تتصل بمفهوم السيادة، والحق في الإصلاح الوطني بعيدًا عن الضغوط غير المباشرة.
.1التقييم الأوروبي: آلية تقنية أم أداة سياسية؟
من حيث الأصل، لا أحد يُنكر أهمية التعاون الدولي لمكافحة الجرائم المالية العابرة للحدود، ولا أحد يعترض على تحديث التشريعات بما يتماشى مع تطور المخاطر.
إلا أن السؤال المشروع الذي يُطرح اليوم:
لماذا تأتي هذه التصنيفات في توقيت تتجه فيه الجزائر نحو إصلاحات عميقة، تشمل مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية المالية؟
إن الجزائر، كما تُقر تقارير مجموعة العمل المالي (FATF)، قد حققت تقدمًا تقنيًا وملموسًا في العديد من التوصيات، بما يعكس نية سياسية واضحة للامتثال للمعايير الدولية.
.2السيادة ليست محل تفاوض:
القانون الدولي يعترف بحق الدول في تطوير منظوماتها القانونية والمالية بما يتناسب مع خصوصياتها، مع احترام التزاماتها الدولية.
ولا يمكن لأي هيئة إقليمية، مهما كانت مكانتها، أن تختزل سيادة دولة ذات تاريخ طويل في مقاومة الهيمنة، في مجرد قائمة أو تقرير مالي.
الجزائر، بحكم موقعها في الضفة الجنوبية للمتوسط، شريك طبيعي لأوروبا في الاستقرار الإقليمي، والأمن الاقتصادي، وليس طرفًا ضعيفًا في معادلة تمليها تصنيفات خارجية.
.3 من أجل شراكة ندية، لا وصاية خفية:
إذا كان الهدف المعلن هو حماية النظام المالي الأوروبي، فإن التعاون ينبغي أن يبنى على الاحترام المتبادل، وتبادل المعلومات، لا على منطق التصنيفات الذي قد يفسر أحيانًا كرسالة سياسية مبطنة.
إن الجزائر ترى في هذه الخطوة فرصة لإعادة فتح قنوات حوار أكثر شفافية مع شركائها الأوروبيين، لتفادي سوء الفهم، وإعادة بناء الثقة على أسس شراكة عادلة.
.4 نحو إصلاحات وطنية برؤية استراتيجية:
الجزائر، ومنذ سنوات، باشرت إصلاحات قانونية وهيكلية واسعة لمحاربة الجرائم المالية، وتعزيز الحوكمة، وتحديث منظومتها البنكية، في إطار سيادي لا يستجيب للضغوط، بل لحاجة وطنية داخلية.
هذه الإرادة الإصلاحية لم تأت استجابة لتصنيفات، بل نابعة من إيمان الدولة بأن الشفافية جزء من أمنها القومي.
.5 الجزائر ليست مصدر خطر، بل جزء من الحل:
في عالم تتشابك فيه الجريمة المنظمة وغسل الأموال عبر الحدود، لا يمكن تجاهل دور الجزائر كقوة استقرار إقليمي، لا مصدر تهديد. الجزائر ليست متلقّية للأوامر، بل فاعل أساسي وشريك مسؤول في محاربة هذه الآفات.
التعاون الإقليمي والدولي:
الجزائر عززت تعاونها الأمني مع دول الجوار، لاسيما تونس، مالي، النيجر، وموريتانيا، لمواجهة التهديدات المشتركة المرتبطة بمراقبة الحدود ومحاربة الجماعات الإرهابية العابرة للحدود.
موقف ثابت من التدخلات الأجنبية:
تماشيًا مع عقيدتها الأمنية، ترفض الجزائر التدخلات العسكرية الأجنبية في شؤون دول المنطقة، وتؤمن بأن الحلول الأمنية لا يمكن أن تُفرض من الخارج، بل يجب أن تكون ثمرة إرادة وطنية وسيادية.
الالتزام بالقانون الدولي في مكافحة تمويل الإرهاب:
الجزائر تدعم كل القرارات الدولية التي تحظر دفع الفدية للجماعات الإرهابية، وتعتبر هذا الالتزام جزءًا محوريًا من سياستها الوطنية والدولية لمحاربة الإرهاب وتجفيف منابعه المالية.
”في العلاقات الدولية، ليست القوائم من تصنع الثقة… بل الشفافية، والاحترام المتبادل، والسيادة.”
أوروبا والجزائر أمام مفترق طريق. إما أن تختارا معًا نهج التعاون البناء، والمقاربة التشاركية المبنية على الحوار والسيادة المتبادلة، أو تبقى هذه القوائم عقبة رمزية لا تعبر عن حقيقة ما يجمع بين الطرفين من مصالح وتاريخ مشترك.
الجزائر اليوم لا تطلب امتيازات، بل تطلب فقط أن يُعامل تقدمها بمقاييس موضوعية، لا بأحكام مسبقة.
وإن التاريخ يُعلّمنا أن الشعوب التي تحمي قرارها الوطني، تعرف دائمًا كيف تكتب مستقبلها بكرامة.