غزّةُ تفضحُ الإعلامَ المتصهين

د.خديجة عنيشل/ تقفُ غزّةُ بشموخٍ في وجه الاستكبار العالمي تُدافعُ عن هويّتها وتاريخها ورَملِها وبحرِها وحيدةً بين خذلان الإخوة وحقدِ المنافقين وتجبُّر المستكبرين وسفاهةِ المُخذّلين. ليس هذا فقط بل إنَّ غزةَ تقفُ أيضاً في وجهِ الإعلامِ المتصهين الذي يزوِّرُ الحقيقةَ ويُغطّي الواقعَ الدمويَّ طمعاً في تبييضِ صورةِ الكيان الصهيوني وتبريرِ وحشيتهِ وإجرامه. فقلاعُ الإعلامِ الغربيِّ …

يوليو 7, 2025 - 13:32
 0
غزّةُ تفضحُ الإعلامَ المتصهين

د.خديجة عنيشل/

تقفُ غزّةُ بشموخٍ في وجه الاستكبار العالمي تُدافعُ عن هويّتها وتاريخها ورَملِها وبحرِها وحيدةً بين خذلان الإخوة وحقدِ المنافقين وتجبُّر المستكبرين وسفاهةِ المُخذّلين. ليس هذا فقط بل إنَّ غزةَ تقفُ أيضاً في وجهِ الإعلامِ المتصهين الذي يزوِّرُ الحقيقةَ ويُغطّي الواقعَ الدمويَّ طمعاً في تبييضِ صورةِ الكيان الصهيوني وتبريرِ وحشيتهِ وإجرامه. فقلاعُ الإعلامِ الغربيِّ التي تبجّحَت طويلاً بحرية التعبير وحقوق الإنسان كشفت غزّةُ كذبها وبهتانَها؛ ألم ترفض الـ BBC مؤخراً عرضَ الفيلمِ الوثائقي (غزّة: أطبّاء تحت النار) الذي يكشفُ وحشيةَ الاحتلالَ الصهيوني المجرم في استهدافه للأطبّاء الذين يناضلون في حَرَمِ المشافي ويُواجهونَ بأياديهم البيضاءَ القصفَ الهمجيَّ ويواصلون حملَ أمانةِ الطبِّ وصونَ قَسَمِهِ بكلِّ شجاعةٍ واستبسال؟؟ وهي الهيئةُ الإعلاميةُ الضاربةُ في تاريخ الصحافةِ والإعلام وكان من المفروض أن لا تخونَ الحقيقةَ وأن لا تمالئ المحتلَّ الصهيوني وأن لا تمنحهُ الغطاءَ الإعلاميَّ الذي يُجمِّلُ به صورتَهُ الإجراميةَ القذرة. ولكنَّ اللهَ يُدافعُ عن الذين آمنوا ويُقيِّض للحقِّ الفلسطينيِّ رجالاً أحراراً يُدافعون عنه؛ فصحيفةُ الغارديان وجَّهت نقداً لاذعاً للسلوكِ الصحفي المهين الذي تبنّتهُ الBBC وتحدثت عن ما أسمتهُ (الصحافة الجبانة) حيث قالت: «الحذرُ تحوَّلَ إلى جبن.. امتناعُ البي بي سي عن بثِّ فيلم (غزّة: أطبّاء تحت القصف) يكشفُ مجدداً انحرافَ معاييرها الصحفية في تغطيةِ الحرب الإسرائيلية على غزة» . والصحفي البريطاني (الإسرائيلي) جوناثان كوك وجَّهَ نقداً لاذعاً إلى الـ BBC قائلا: «الآن باتَ واضحاً سببُ امتناع بي بي سي عن بثِّ الفيلمِ الوثائقيِّ (أطبّاء تحت الهجوم) الذي يُظهِرُ بشكلٍ قاطعٍ أنَّ (إسرائيل) تُدمِّرُ القطاعَ الصحي في غزة بشكلٍ مُمنهَج، كجزءٍ من حملةِ عنفٍ وإبادة جماعية» وكان كوك اتهمَ هيئة الإذاعة البريطانية BBC صراحةً بأنها تُسهِمُ في غسلِ الجرائمِ الصهيونية وانتقد استخدام ال BBC في تقريراتها لغةً كاذبة تُشوِّهُ الحقيقةَ وتُغطّي سوأةَ المحتل المجرم الذي أوغلَ في الدماء كما لم يفعل محتلٌّ في التاريخ البشري؛ ففي اقتحامِ الشرطة الصهيونية للمسجد الأقصى بعنفٍ شديد حيث اعتدت على المصلّين المسالمين وضربت شيوخاً مُسنّين وعاثت فساداً في باحاتِ المسجد سخِرَ جوناثان كوك من اختيار الكلمات المغلوطة التي وصفت بها إذاعةُ البي بي سي هذه الواقعة الأليمة وتساءلَ مستنكراً: «ما هي مشكلة الإذاعة البريطانية وبقية الإعلام الغربي والتي تم تقطيرُها في عنوانٍ قصير لبي بي سي: اشتباكات تندلع في موقع مقدّس متنازع عليه . ففي جملة من ست كلمات تقدم بي بي سي نفسها من خلال «الحيادية» المشكوك فيها والتي لا تعمل على الكشف وحتى التغطية بل وخداع المشاهدين « ورفضَ كوك بقوّة وذكاء مصطلح (مُتَنَازَع عليه) واتّهمَ الصحافةَ بالجُبن قائلاً: « إن المسجد ليس «متنازعا عليه» إلا في مخيلة المتطرفين الدينيين اليهود، وبعضهم في الحكومة الإسرائيلية وبعض الصحافيين الجبناء. .. وفكرة «التنازع» على الأقصى هي اختراعٌ مجرد من دولة (إسرائيل) تدعمه مجموعة من الحاخامات المستوطنين المتطرفين ويقومون باستغلال فكرة «التنازع» من أجل تأكيد السيادة اليهودية على قطعة مهمة من الأراضي الفلسطينية المحتلة.. إن الهدف ليس اليهودية، بل وتجريد الفلسطينيين من أهم رمز وطني عزيز عليهم، وأساس دينهم ورابطتهم العاطفية لأرض أجدادهم ونقل الرمز إلى دولة تزعم أنها تمثل الشعب اليهودي «. كما استهجنَ استخدام كلمة (اعتقالات) لمئات المصلّين الفلسطينيين يؤدونَ عباداتهم في المسجد «وكأن وجودَ قواتِ احتلالٍ ذاتِ نزعةٍ للحرب هو فعلٌ حيادٌ وتقوم بتطبيق القانون بمهنية ومساواة» !!
ويعيبُ جوناثان كوك على هيئة البي بي سي استخدامَها لكلمة (اندلاع) في تقاريرها حول الوضع الدموي في فلسطين كما لو أنَّ الكيان الصهيوني لا يدَ له في سيلِ الدمِ الذي يجري في فلسطين المحتلة حيث يقول: « إن استخدام الهيئة كلمة «اندلاع» تقترح أن «المواجهات» هي قوة طبيعية مثل الهزات الأرضية والبراكين، لا تستطيع إسرائيل التحكم بها. وتبدو وكأنها تتعامل مع حدث لوقفه»
. ولأنَّ غزةَ صوتُ حقٍّ وقضيةً عادلة خرجَ من ظُلماتِ البي بي سي أكثر من ثلاثمائة موظفٍ يصرخون: لا للظلم وكتبوا رسالةَ انتقادٍ واحتجاجٍ إلى إدارتها اتهموها بالانحياز إلى الصهاينة..
إن دفاعَ جوناثان كوك عن الحق الفلسطيني بهذه الجرأة غير آبهٍ بمحاذيرها في هذا السياق العالميّ الحساس ليدعونا إلى التأمُّلِ في واقعِ المسلمين الذين تخلَّفَت نُخَبُهُم الإعلاميةُ والسياسيةُ وجَبُنَت فواعلُهُم الاجتماعيةُ والاقتصاديةُ والفكريةُ عن الجَهرِ بقولِ الحقيقة والدفاعِ عنها استنهاضاً لهمّةِ الشعبِ العربيِّ المريض الغارقِ في تفاهة التيكتوك ومؤثّريها وأفيونِ الرياضةِ ولاعبِيها . حين يصرخُ هذا الصحفي البريطاني- (الإسرائيلي) في وجهِ الإعلام المتصهين الكذاب ويقول بصريحِ العبارة: «نحن الآن بعد 19 شهرًا من مجازر مستمرة، والتغطيةُ على جرائمِ الحرب باتت مشاركةً مباشرةً فيها» فنحنُ فعلاً نعيشُ مأزقاً أخلاقياً خطيراً لا منجى منهُ إلا الانعتاقُ من إِسارِ الخوفِ والذل وإعلان جبهة مقاومة حقيقية للتغوّل الأمريكي والغطرسة الصهيونية الكريهة، ونحنُ فعلاً تحت طائلةِ حَرَجٍ تاريخيٍّ لا يُمكن تحمُّله وسيظلُّ وصمةَ عارٍ في جبينِ نُخبةِ الملياري مسلم ممن لم يستطيعوا تكوينَ رأيٍ عام صلبٍ وهادر يمنعُ الإبادةَ الصهيونيةَ لأهلنا المستضعفين في غزة الجريحة. وحين يخرجُ صوتُ صُحُفيّ دولةِ الاحتلال نير حسون من عُمقِ التلفزيون الصهيوني ينتقد الإبادةَ الجماعيةَ التي يُمارسُها الكيان ضدَّ الأبرياء في غزة ويصرخُ في وجهِ دولتِهِ الظالمة قائلاً: «الدمار في القطاع ليس شيئا قابلا للنقاش. افتحوا خرائط غوغل وشاهدوا! رفح مـ.ـدمـ.ـرة أكثر من هيـ.ـروشـ.ـيما، ومخيم جباليا مـ.ـدمّـ.ـر أكثر من نـ.ـاغـ.ـازاكي. إنهم يستخدمون شركات مقاولات خاصة من أجل عمـ.ـليات الهـ.ـدم أيُّ دافعٍ في العالَم يمكن أن يجعلَ جنوداً إسرائيليين يُطلقونَ النارَ على أشخاصٍ يأتونَ للحصولِ على طعام؟؟ !!» فإنَّ الحُجَّةَ قد أُقيمت علينا نحن العرب والمسلمين الذين نرى هذه المحرَقة البشعة والإبادة المُفجعة الأليمة دون أن نقدرَ على فعلِ شيءٍ حقيقي انتصاراً للمظلومين في غزة . لم يبقَ لنا إلا أن ندعوا اللهَ: ربَّنا إنا ظلمنا أنفسَنا ظُلماً كبيراً وتولَّينا، فاستبدِلنا فإنكَ تقولُ وقولُك الحق: { وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم}