للقصة فصل قادم ..

أ. عيسى جرادي/ ما يثار بشأن اتفاقية «سيداو».. ليس سوى أثر من جملة آثار .. ترتبت على اختلال العلاقة بيننا نحن المسلمين وبين غيرنا .. ممن يملكون تصورا للحياة يناقض في أغلب مضامينه ما عندنا .. ويغلبون علينا بالقوة والتأثير.. فانتهينا إلى أن نتلقى وننفذ طوعا أو كرها.. ما نحب وما نكره.. وليس بأيدينا أن …

سبتمبر 2, 2025 - 15:53
 0
للقصة فصل قادم ..

أ. عيسى جرادي/

ما يثار بشأن اتفاقية «سيداو».. ليس سوى أثر من جملة آثار .. ترتبت على اختلال العلاقة بيننا نحن المسلمين وبين غيرنا .. ممن يملكون تصورا للحياة يناقض في أغلب مضامينه ما عندنا .. ويغلبون علينا بالقوة والتأثير.. فانتهينا إلى أن نتلقى وننفذ طوعا أو كرها.. ما نحب وما نكره.. وليس بأيدينا أن نبدي اعتراضا أو تحفظا.. سوى أن نحزن على بؤسنا!
فهل نفع القانون الدولي الإنساني أهل غزة في شيء؟ هل أنقذهم من الإبادة ؟ وهل لجم الكيان الشيطاني في تل أبيب ورد عدوانه الهمجي؟ الإجابة واضحة.. لا شيء .. ولا يزال الصهاينة يسرفون في القتل والتدمير بوحشية فاقت وحشية عصور ما قبل التاريخ!
ماذا يعني هذا؟ لا قيمة لقانون دولي لا ترعاه قوة متفوقة.. ذات وجه إنساني.. ما عدا ذلك أنت مركون في زاوية ضيقة تتلقى الأوامر والصفعات.. ولا تملك أن ترد بشيء.. سوى أن تحني رأسك وتنصرف.
قرأت نص المرسوم الرئاسي المتعلق برفع التحفظات التي أبدتها الجزائر من قبل على (م 15 / ف 4 ) من «اتفاقية سيداو».. فلم أجد إطارا فكريا لترتيب الموضوع.. سوى ما ذكرت من قبل.. وما عدا ذلك.. فمحاولة تبرير ما لا يجدر تبريره.
في هذا السياق.. تحسن الإشارة إلى ما أوردته وكالة الأنباء الجزائرية على لسان من اعتبرتهم مصدرا مخولا – و أظنه من باب الإيعاز – .. من (أن الأمر يتعلق بمجرد إجراء تقني أملاه زوال السبب الذي أدى إلى تحفظ بلادنا على نص (م 15/ ف4) بمناسبة مصادقتها على الاتفاقية سنة 1996، والخاصة بحق المرأة في اختيار السكن والتنقل).. وزوال السبب يكمن في (أن هذه المادة قد تم إلغاؤها سنة 2005، وبالتالي، فإن التحفظ الجزائري قد فقد علة وجوده ولم يعد يستند إلى أي أساس قانوني في التشريع الوطني).. ليضيف المصدر ذاته (أن الإبقاء على التحفظ المذكور، كان يستغل من قبل الجهات المعادية للجزائر للترويج لدى المنظمات الحقوقية بأن بلادنا تكرس تمييزا بين الرجل والمرأة بخصوص الحق في التنقل والسكن..).
هذا بالجملة ما انتهى إليه «المصدر» المشار إليه.. فما وجه الحقيقة في هذا؟

أولا.. قائمة التحفظات التي أبدتها الجزائر يوم إعلان الاتفاقية في 1996.. كانت واسعة.. لكنها ما انفكت تتقلص.. والسبب واضح.. في كل مرة نعدل تشريعا محليا.. نكون قد تماهينا مع نص من نصوص الاتفاقية.. إلى أن ننتهي إلى مطابقة كل نصوصنا التشريعية معها وتزول التحفظات.. و نكون كمن انقلب على عقبيه.

ثانيا.. أخطر من الفقرة 4 من المادة المذكورة.. الفقرة الأولى منها التي تنص صراحة على أن (تعترف الدول الأطراف للمرأة بالمساواة مع الرجل أمام القانون) .. هذا التعميم يحمل من الخطر ما تكشف عنه المواد اللاحقة.. و تحديدا المادة 15 .. التي تقع في صميم التشريع الذي تستهدفه الاتفاقية بالإلغاء .. وأعني بذلك قانون الأسرة .. وهي المادة التي تنص صراحة على تكريس «نفس الحق» للزوجين في كل «الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية».

ثالثا .. لماذا يحدث هذا الآن تحديدا.. مادامت الفقرة المتحفظ عليها قد ألغيت عمليا في 1996؟ ثمة ما ينبئ عن تغير في مواقع النفوذ .. والخشية واردة من عودة التيار الاستئصالي الذي تفوح رائحته في المدة الأخيرة .. من خلال جملة قرارات .. تعزف على إيقاع واحد (من التعيين في المجلس الدستوري إلى استقبال وجه لائكي معروف)!

رابعا.. ما موقع المادة (15) من الاتفاقية المذكورة من نصوص الدستور.. وتحديدا المادة الثانية منه.. التي تنص على أن الإسلام دين الدولة.. فهل يلغى العمل بأحكام الشريعة الإسلامية في قضايا تنظيم الأسرة اتساقا مع مواد الاتفاقية؟ حينها من يقبل انحرافا كهذا؟

خامسا .. ما مصير الأسرة الجزائرية في ظل ترتيبات تكسر أسباب تماسكها وتفضي إلى موتها.. بأن تجعل منها تجمع أفراد ينفرط عقدهم لأتفه الأسباب .. في ظل ما نشهد من تفكك أسري مخيف؟ وهل صورة المجتمع إلا ما تبدو عليه الأسرة.

سادسا.. ماذا يبقى من مصطلحات السيادة والاستقلالية والخصوصية الثقافية.. وقد انتهينا ظلا باهتا لقوى شيطانية.. لا يخفى مشروعها التدميري الذي يستهدف الدين والإنسان؟!
النتيجة : الأمة التي تأخرت عن الركب بعد أن تصدرته .. وفقدت قدرتها على المنافسة .. بعد أن كانت مرجعا في استلهام قيم التفوق .. وأضحت تابعة بعد أن كانت متبوعة.. واضطربت بوصلتها فتاهت عن وجهتها الصحيحة.. لن يكون لها شأن و لا رأي و لا موطئ قدم.. في عالم تديره قوى «شيطانية» تملك القوة والنفوذ والأفكار والمخططات. نحن الجزائريين.. يحكمنا دستور ينص في مادته الثانية على أن «الإسلام دين الدولة».. فهل يسوغ تعديل أي تشريع وطني لتكييفه مع تشريع دولي مشبوه .. إذا كان هذا التعديل سيمس بجوهر مادة من مواد الدستور؟
نظريا انتهى الأمر.. فقد نشر المرسوم في الجريدة الرسمية.. ما يعني أنه أصبح نافذا.. فهل من إجابة على هواجس الناس.. الذين لمسوا في هذا المرسوم محاولة للالتفاف على قانون الأسرة.. الذي يكثر بشأنه اللغط اللائكي – الاستئصالي.. وإن بدت القصة من هذه الناحية قديمة ومستهلكة.