من مقاعد الدراسة والتدريس في مدارس جمعية العلماء إلى صفوف الثورة الجزائرية: «المجاهدة المعلمة زعراء عثماني رحمها الله» حوار مع ابنتها الأستاذة سهام شريط

أجرى الحوار: سمير زمال/ من الجوانب التاريخية التي لازالت تحتاج إلى دراسة وبيان وتدوين، دور المرأة الجزائرية ورسالتها في صفوف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فالأكيد أن الجمعية خلال مسارها ونشاطها الإصلاحي والوطني تبنّت منهجا متعدد الأبعاد، تجاوز جانب التنظير إلى فضاءات العمل الميداني، بل وشمل مشروعها كافة فئات المجتمع، فكان من أهداف رسالتها الحضارية العناية …

مايو 28, 2025 - 14:02
 0
من مقاعد الدراسة والتدريس في مدارس جمعية العلماء إلى صفوف الثورة الجزائرية: «المجاهدة المعلمة زعراء عثماني رحمها الله» حوار مع ابنتها الأستاذة سهام شريط

أجرى الحوار: سمير زمال/

من الجوانب التاريخية التي لازالت تحتاج إلى دراسة وبيان وتدوين، دور المرأة الجزائرية ورسالتها في صفوف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فالأكيد أن الجمعية خلال مسارها ونشاطها الإصلاحي والوطني تبنّت منهجا متعدد الأبعاد، تجاوز جانب التنظير إلى فضاءات العمل الميداني، بل وشمل مشروعها كافة فئات المجتمع، فكان من أهداف رسالتها الحضارية العناية بالمرأة والارتقاء بمستواها وتأهيلها لتكون عنصرا فاعلا في بناء قاعدة نضالية وشخصية وطنية فـاعلة ومؤثرة، فكان للجزائريات المنضويات في صفوف الجمعية إسهام ودور محوري وبشكل واضح في المشروع التحرري الجزائري على مدار ثلاث وعشرين سنة وصولا إلى سنوات الثورة السبع، والذي أثمر تحرير العقل ومن ثم العمل على تحرير الأرض من براثن الإحتلال الفرنسي الخبيث سنة 1962مـ. نسلط الضوء في هذا الحوار الماتع على شخصية نسائية فـذّة ونموذج مميز يقتدى به، أسهم في نضالات الجزائريين، سواء الشق العلمي الإصلاحي التربوي أو العملي الجهادي، المتمثل في المثقفة والمجاهدة زعراء عثماني رحمها الله من خلال شهادة إبنتها سهام شريط.

البصائر: في البداية ممكن لمحة موجزة عن سيرتكم الذاتية؟
سهام شريط: موظفة متقاعدة من سلك التعليم، من مواليد 1967 بعين مليلة، تعلمت وترعرعت وكبرت بمدينة الخروب، تزوجت وقضيت ما يزيد عن الثلاثين عاما بمدينة تبسة، مقيمة حاليا بمدينة عنابة. صاحبة 9 اصدارات باللغتين العربية والفرنسية ومخطوط قيد الطباعة، اكتب في جميع اصناف الأدب زيادة على السيناريو والمسرح.

نود أن نتعرف على البيئة والأسرة التي ترعرعت ونشأت فيها المجاهدة عثماني زعراء؟
– والدتي زعراء عثماني رحمها الله من مواليد جانفي 1934 بتبسة ابنة خليفة الملقب بـ «خليفة الجزار» الذي كان تاجر مواش وصاحب محل جزارة معروف مقابل السوق المغطى (المارشي) بوسط المدينة، وابنة عكرمي غزالة، لها أربع أخوات وثلاث إخوة، تربت وكبرت مدللة في دفء العائلة الكبيرة.

ماذا عن مسيرتها رحمها الله في مقاعد الدراسة في مدارس الجمعية..؟
– التحقت زعراء بمدرسة التهذيب للبنات والبنين ببلدة تبسة في سن مبكر، تقريبا عام 1939 لتدرس اللغة والقرآٱن والفقه، حتى قارب سنها الثالثة عشر ولكونها متفوقة في الدراسة وذكية جدا اقترحتها ادارة المدرسة لاجتياز امتحان الشهادة الابتدائية بمعهد ابن باديس، كانت رحلتها موفقة وتحصلت على الرتبة الأولى في مدينتها والثانية وطنيا.
بعد رحلة النجاح الذي تشرفت به زعراء اقترح عليها استاذها وابن خالتها الدبلوماسي المجاهد ابراهيم مزهودي رحمه الله والعلامة الشهيد الشيخ العربي التبسي -رحمه الله – أن تدرّس بمدرسة التهذيب اللغة العربية لتكون أول معلمة في تاريخ مدينة تبسة سنة 1948 عن عمر الرابعة عشر.

بعد رحلتها في طلب العلم حدثينا عن دورها في ميدان التعليم في مدارس الجمعية؟
– كان قرار خروجها الى العمل صعبا وغير مقبول بين أهلها وعائلتها الكبيرة وجيرانها، خروج المرأة وذهابها الى العمل كان يعتبر جريمة في ذاك الوقت، فجاء الطلب مباشرة من الشيخ العربي التبسي إلى والدها خليفة حيث أثر على قراره بالقبول عن طريق اقناعه بوجوب وعي المرأة بدينها ووطنيتها ولا يستطيع أحد تلقين ذلك للبنات الا زعراء، وخاضت –سيدتي [هكذا كانت تُلقّب] – هذه المعركة بمساعدة ابراهيم مزهودي وأخيها محمد الطيب (سيدي حمة) الذي وقف الى جانبها ودافع عنها بكل جهده. فكانت تدرّس اللغة بالمدرسة وتلقي الدروس التوعوية للنساء في أي مكان تلتقين فيه وخاصة في الحمّام حيث يذهبم مرّة كلّ اسبوع.

عن التحاقها بصفوف الثورة الجزائرية، متى وكيف كان ذلك؟ وفيم تمثلت مهامها؟
– عند اندلاع الثورة أغلق الاحتلال مدرسة التهذيب لتصبح مقرا عسكريا للمستعمر لكن زعراء لم تتوقف وواصلت نضالها بالتوعية والدروس التحسيسية حول التعليم والوطن ووجوب الجهاد كما كانت تقوم بكتابة وصولات جمع التبرعات وكتابة بعض الوثائق والتعامل مع بعض المناضيل منهم زوج أختها الشهيد ضوايفية الصغير، فلما أصدر الاحتلال قرار اعتقالها إلتحقت بصفوف الثوار عن طريق المنطقة السادسة بالولاية الأولى فتم تكليفها بالإشراف على مكتب السكريتاريا والأعمال الادارية بقلعة سنان بالحدود التونسية سنة 1957.
بعدما تخوفت الحكومة المؤقتة من فشل الثورة قررت زواج المجاهدات فكان لها الضابط المرحوم الحاج علي شريط زوجا في مارس سنة 1958 تحت وصاية ولي أمرها المجاهد الرائد عبدالله بلهوشات وشاهدي عدل: المجاهد الهامل عبيد والمجاهد السعيد عبيد بتاجروين. ومن ذلك الوقت وهي تتنقل معه في كلّ مهامه الرسمية حتى نهاية الثورة وعودتهما إلى أرض الوطن مع ابنهما نورالدين من مواليد افريل 1961.

الأكيد أنه بعد استرجاع السيادة الوطنية كان لها دور في عملية البناء وخدمة المجتمع؟
– مع وقف القتال عادت زعراء إلى أهلها وسط الزغاريد والولائم والتبريكات، بعد أن استعادت أنفاسها من أهوال الثورة بدأت رحلة البناء والتشييد مع التربية والتعليم بدءا بمدينة أكس بتبسة ثم عين مليلة ثمّ قسنطينة وأخيرا الخروب، درّست اللغة العربية وكانت مديرة مدرسة ابتدائية إلى غاية التقاعد سنة 1986، ساهمت في تربية وتعليم ابنائها الخمسة وأبناء زوجها الثلاثة وابنة اختها وابن أخيها اللذين كانا مقيمين ببيتها والعديد من الشباب الذين مروا برحلة جهادها بالقلم.
توفيت زعراء ودفنت بمدينة الخروب لولاية قسنطينة حيث عاشت ما يقارب التسعة وثلاثين سنة، محترمة وكريمة بين أهلها وأصدقائها، وذلك بتاريخ 7 ماي2013.

لكم الكلمة في ختام هذا الحوار المثمر؟
– زعراء بطلة من أبطال الثورة الجزائرية، رمز للأخلاق والعطاء والكرم، أول معلمة في تاريخ مدينة تبسة قبل الثورة التحريرية وبعد الاستقلال، مربية أجيال و جزء من تاريخ الجزائر، لا يوجد لاسمها أثر في لافتة فوق أي مؤسسة تعليمية أو ثقافية أو على لوحة معلقة بشارع من شوارع مدينتها التي أحبتها أو في أي مكان عاشت فيه وتركت بصمة روحها فيه، وهذا أمر مرسف.