واجبنا نحو البيئة الطبيعية كيف نستعملها ونحميها من التصرفات المؤذية
أ. محمد مكركب أبران نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/ المقصود بالبيئة هو الوسط الطبيعي للمجتمع الإنساني، هو أرض المدينة والقرية، والبساتين والجنات، والطرق والغابات، هو كل الأشياء التي تؤلف المكان الذي يعيش فيه الإنسان، وتمام صلاح البيئة، أن يكون كلُّ ما يحتاجه القوم في بيئتهم صالحا، وما تقع عليه أبصارهم يزهو بالجلال والجمال. يقال: …

أ. محمد مكركب أبران نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/
المقصود بالبيئة هو الوسط الطبيعي للمجتمع الإنساني، هو أرض المدينة والقرية، والبساتين والجنات، والطرق والغابات، هو كل الأشياء التي تؤلف المكان الذي يعيش فيه الإنسان، وتمام صلاح البيئة، أن يكون كلُّ ما يحتاجه القوم في بيئتهم صالحا، وما تقع عليه أبصارهم يزهو بالجلال والجمال. يقال: إن فلانا، لحسنُ البيئة، من قولك باللسان العربي، بوَّأتَهُ منزلا، فهو في بيئة حسنة، أي بحال حسنة. وقولنا: وقوم كرام بوأهم الله منزلا كريما، أي أنزلهم منزلا مكانا شريفا محترما، والاسم البيئة. وقول الله تعالى ﴿والَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ والإِيمانَ﴾ جعل الإيمان محلا لهم، على المثل والحال الغالب لهم، وقد يكون أراد تبوءوا مكان الإيمان، أو سكنوا بلد الإيمان فحذف المضاف واكتفى بالمضاف إليه للغلبة والشهرة كالصفة التي تصير اسما للشيء بتكرارها وشهرتها. فالبيئة هي المنزل والحال ويقال بيئة طبيعية وبيئة اجتماعية وبيئة سياسية. وفي اللسان: {والبيئةُ والباءَةُ والمباءَةُ: الْمَنْزِلُ، وَقِيلَ مَنْزِلُ القوم حيث يَتَبَوَّءُونَ، أي: (ينزلون، معناه: حيث يسكنون)} (اللسان:1/39) والاهتمام بالبيئة لا يتوقف على فصل من الفصول، لا يخص ـ فقط ـ الصيف، أو الخريف، أو الشتاء، أو الربيع. لأن الاهتمام بالبيئة هو الاهتمام بموطن الإنسان حيث كان من الزمان والمكان، الاهتمام بالبيئة يعني الاهتمام بالصحة، والراحة النفسية، والثقافة، والحضارة، والاقتصاد. فمن جملة مقاصد الإصلاح التربوي والاجتماعي: حفظ البيئة وحمايتها من التلوث، والفساد، والخراب. وعلم البيئة أخو علم الاجتماع، يتعلَّق بدراسة خصائص المجتمعات النباتيّة والحيوانية والهندسة العمرانية، وخصائص الفضاء والهواء والماء، وتصنيف كل ذلك، وعلاقاته بحياة الإنسان. ولذلك ينبغي أن تقام مؤسسة ذات شأن كبير بجانب مؤسسة الحسبة، لتتولى هذا الأمر الهام والخطير في الحياة المجتمعية الإنسانية. أَوَلَا يعلم الناسُ، أن التقدم والتخلف له علاقة متلازمة مع البيئة؟؟، فالبيئة الصالحة تنتج التقدم الفكري، والرقي الثقافي، وعلو المستوى العلمي، وتنتج الجيل الصالح، فالبيئة الصالحة تنتج الجيل الذي يمتاز بصفاء الذهن، وقدرات الاختراع، وحسن التعايش. ولذلك فالحكم على القوم في أخلاقهم ومعاملاتهم، وتَحَضُّرهم، يُحْكَمُ عليهم من خلال بيئتهم، فوجه حال القوم، ولسان حالهم، هو بيئتهم. والبيئة الفاسدة تنتج التخلف والرداءة والانحطاط والانحراف. فما هي مواصفات البيئة الصالحة: التي تنتج التقدم الإنساني، والحضارة الراقية؟
أولا: تناسق المباني والطرق والساحات: والجمال الهندسي للبساتين والأحياء السكنية. وعلم البيئة يقتضي أن العناية الواجبة بالبيئة تبدأ من كمال وجمال التصميم الهندسي المتناسق، إِذْ مِمَّا يُلاحظ على المدن والقرى المتخلفة أنها تعاني من الوضعيات العشوائية للأحياء والحارات، والتناقض الصارخ بين المجمعات السكنية، والاختلاف المقيت في أشكال وصور المساكن والبيوت الفوضوية، أحياء بلا شكل ولا لون ولا ذوق، فقط أشكال من الإسمنت والأجر والطوب، وكل ذلك عُمْران بلا عنوان. ومن بين أهم مكونات المدينة: الشوارع والأزقة والساحات.
ثانيا: الوضعية الحضارية للمرافق، وسهولة التعامل معها والوصول إليها في انسجام وانسياب، العناية بالبيئة تقتضي حسن اختيار الموقع المناسب صحيا ونفسيا وقربا وسعة لكل مرفق بما يناسبه وبما يؤهله ليحقق النفع الذي وجد من أجله أن تكون المدرسة في المكان المناسب، والمستشفى في المكان المناسب وهكذا، وأن يكون المسجد هو المرفق الأول وسط المدينة أو وسط الحي ومنه تتفرع كل الشوارع.
ثالثا: الإتقان والنظافة وما إدراكم ما القيمة الحضارية للإتقان والنظافة، نظافة الأرض، والطرق، والساحات، وجمال المباني، جمال النقاء والسلامة، والترميم، والدهن، والتناسق. والنظافة نقيض القذارة.
رابعا: دوام واستمرار الحركة الخدماتية والتجارية المدنية على مدى الليل والنهار، دوام الخدمات المجتمعية من أبرز آيات التقدم الحضاري، والتطور المدني، فقد يحدث أن تتوقف مراكب المواصلات عند الغروب، في قرية من القرى، ولا تحضر إلا بعد الفجر مثلا، فسكان هذه القرية محرومون من الخدمات نصف الزمن من حياتهم، وهذا يؤثر على البيئة في هذه القرية، فكيف يقوم الفلاح بواجبه، وكيف يصل الطالب المهتم بالبحث العلمي، والمحتاج إلى العلاج كيف يتنقل إلى المستشفى، والسائح، والضيف، والقاعدة أنه إذا تعطلت الخدمات تعطلت الحياة.
خامسا: اللافتات ولوحات التوجيه، كلوحات توجيه المرور، واللافتات الإرشادية لضواحي المدينة والمرافق، والمصالح، ومنها رسم ممرات المشاة والتخلص من ممهلات التخلف، فما يسمونه (بالدودنات) فهي من مخلفات المجتمعات المتخلفة القديمة.
سادسا: نظام وجمال الأسواق، والدكاكين التجارية، وجمال الأرصفة المناسبة المخصصة للمشاة. ماذا يحب الله سبحانه وتعالى؟ [إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ] (مسلم:91) [إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا] (مسلم: 1015) [إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ] (مسلم: 2593) ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ﴾ (البقرة: 195) والبيئة الصالحة الكاملة المواصفات، محكومة بالجمال، والإتقان، والرفق، والإحسان. ثم مَنْ هُو المسؤول عن البيئة وجمال المدينة، وصلاح المرافق الحضارية وكل المصالح الضرورية للحياة الإنسانية في المدينة؟ إنه (أمير المدينة). رئيس البلدية بالمصطلح العصري. لأن رئيس البلدية هو الراعي المسؤول عن شؤون السياسة المدنية، التي موضوعها مصالح القاطنين في المدينة. والسياسة المدنية والتي منها مصالح البيئة، هي نفسها أي: السياسة المدنية، هي جزء من السياسة الشرعية العامة، التي تهتم بالممتلكات، والمؤسسات، والقوانين المجتمعية، لتسيير المدينة. فالإمام الراعي الذي بإذن الله عز وجل، يضمن الحياة الآمنة المستقرة المزدهرة هو أمير المدينة. ومجال عمله، ومسؤوليته الرسمية والشرعية، هي: السياسة المدنية: لإدارة النظام المدني الذي يطبق في المدينة الحضارية، حيث يسود الرفق، والجلال، والجمال، في كل مناحي العمران الحسي، للمدينة، وحيث الفضاء الثقافي والأخلاقي للوسط الاجتماعي. فالسِّياسة المدنيَّة: تدبير المعاش، على سنن العدل والاستقامة. فالبيئة ليست هي فقط النظافة والتشجير، وإنما هي التسيير والتعمير.