سيداو: ما الذي لا نعرفه؟

نصر الدين الحامدي النائلي/ عاد الجدل في الجزائر مؤخرًا حول اتفاقية “سيداو” بعد قرار رفع التحفظات التي أبدتها الدولة عند المصادقة عليها. البعض رأى في الخطوة انتصارًا لحقوق المرأة، وآخرون دقوا ناقوس الخطر معتبرينها تهديدًا للأسرة والدين، فيما اكتفى كثيرون بالمتابعة الصامتة من بعيد، لا يعرفون أصل الحكاية ولا تفاصيلها. اتفاقية “سيداو” – أو “القضاء …

سبتمبر 2, 2025 - 15:41
 0
سيداو: ما الذي لا نعرفه؟

نصر الدين الحامدي النائلي/

عاد الجدل في الجزائر مؤخرًا حول اتفاقية “سيداو” بعد قرار رفع التحفظات التي أبدتها الدولة عند المصادقة عليها. البعض رأى في الخطوة انتصارًا لحقوق المرأة، وآخرون دقوا ناقوس الخطر معتبرينها تهديدًا للأسرة والدين، فيما اكتفى كثيرون بالمتابعة الصامتة من بعيد، لا يعرفون أصل الحكاية ولا تفاصيلها.
اتفاقية “سيداو” – أو “القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” – وُلدت سنة 1979 في نيويورك. رفعت شعار المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة: في التعليم، في العمل، في السياسة، في الصحة، بل وحتى في الأسرة والوراثة. وهذا الشعار البراق جعلها محل ترحيب واسع في الغرب، لكنه أثار تحفظات عميقة في المجتمعات الإسلامية والعربية، حيث توجد منظومة قيمية ودينية مغايرة.

المواقف منها ثلاثية:
• من يرى فيها خلاصًا للمرأة من كل أشكال التهميش.
• من يخشى أن تكون بابًا لفرض أنماط اجتماعية غريبة تُهدد الأسرة والهوية.
• ومن يشاهد المشهد بصمت، مترددًا بين الإعجاب بالشعار والخوف من المضمون.
في الجزائر، تمّت المصادقة على الاتفاقية منذ سنوات، لكن مع إبداء تحفظات واضحة، أهمها ما يمسّ قوانين الأسرة المستمدة من الشريعة الإسلامية. التحفظات كانت ضمانة بأن لا تُفرض بنود تخالف الدستور أو خصوصيات المجتمع. واليوم، حين أُعلن عن رفع بعض هذه التحفظات، انفجر الجدل من جديد: هل نحن أمام تغيير جذري؟
بيان رسمي لوكالة الأنباء الجزائرية جاء ليُوضّح:
• التحفظ الذي تم رفعه يتعلق بالمادة 15 فقرة 4 من الاتفاقية، وهو مرتبط بالمادة 37 من قانون الأسرة التي ألغيت منذ 2005، وبالتالي لم يعد له أي أثر قانوني.
• رفع التحفظ هو إجراء تقني بحت، يهدف إلى مواءمة موقف الجزائر الدولي مع قوانينها الوطنية، ولا يغيّر شيئًا في واقع الأسرة الجزائرية.
• حقوق المرأة في السكن والتنقل محفوظة منذ سنوات، ولم تتغير.
• الهدف من الخطوة هو قطع الطريق أمام من يوظف بقاء التحفظ لتصوير الجزائر دولة لا تزال تميّز ضد المرأة.
هذا التوضيح الرسمي يُسقط الكثير من المخاوف والتهويلات. فالواقع أن لا شيء تغيّر في النصوص الأساسية ولا في البنية القانونية للأسرة الجزائرية. ومع ذلك، يظل السؤال الكبير مطروحًا: ما هي حقيقة مشاكل المرأة الجزائرية؟
هل أزمتها في قانون الإرث؟ أم في تطبيق أحكام النفقة حين تُترك المرأة معلّقة أمام المحاكم؟ هل مشكلتها في النصوص الدولية، أم في الواقع الاجتماعي الذي يجعلها تكافح من أجل أبسط حقوقها التي كفلها الشرع والدستور؟
هنا يبرز الخيط الفاصل بين “العدل الواجب” و”الذوبان في الآخر”. لا أحد يجادل في ضرورة رفع الظلم عن المرأة ومكافحة كل أشكال العنف والتحرش وضمان كرامتها وحقها في العمل، لكن الخشية أن يُستغل شعار المساواة ليُفرض على المجتمع ما يناقض هويته وقيمه.
الجزائر، مثل غيرها من الدول، تسير على خط رفيع بين التزاماتها الدولية وحفاظها على خصوصياتها. لكن التحدي الحقيقي ليس في الاتفاقيات ولا في رفع التحفظات، بل في الإرادة الواقعية لتطبيق ما هو موجود أصلًا: قوانين تحمي المرأة، نصوص تُلزم بالنفقة والعدل، ودستور يساوي بين المواطنين.
الخلاصة: رفع التحفظ على “سيداو” ليس زلزالًا قانونيًا ولا هدمًا للأسرة الجزائرية، بل خطوة إدارية لتوضيح الموقف. لكن النقاش الذي أثاره يُذكّرنا بما هو أهم: أن قضية المرأة لا تُحل بالشعارات ولا بالجدل حول المواثيق الدولية، بل بالعدالة اليومية في المحاكم، وبضمان الكرامة على أرض الواقع.
إنصاف المرأة واجب، لكن دون أن يُهدم السقف الذي يأوي الجميع.