ألا يعلم من خلق .. ؟

أ.حسام الدين حمادي/ لم تعرف الجزائر في تاريخها القريب حالة من اهتزاز سلم القيم والانفلات الأخلاقي كما نراها اليوم في بعض شوارع مدننا، حيث صار المارّ على قدميه أو في سيارته يعيش في قلق دائم، خشية أن يفاجأ بشاب طائش، يحمل سلاحًا أبيض، وقد غيّب عقله بالمخدرات والمؤثرات العقلية، ليطلب المال أو الهاتف أو السيارة، …

أغسطس 26, 2025 - 13:07
 0
ألا  يعلم  من خلق .. ؟

أ.حسام الدين حمادي/

لم تعرف الجزائر في تاريخها القريب حالة من اهتزاز سلم القيم والانفلات الأخلاقي كما نراها اليوم في بعض شوارع مدننا، حيث صار المارّ على قدميه أو في سيارته يعيش في قلق دائم، خشية أن يفاجأ بشاب طائش، يحمل سلاحًا أبيض، وقد غيّب عقله بالمخدرات والمؤثرات العقلية، ليطلب المال أو الهاتف أو السيارة، دون وازع من دين أو ضمير، بل أحيانًا دون تردد في إزهاق النفس المعصومة.
هذه الظاهرة المروّعة لم تعد حالات فردية متفرقة ومنعزلة، بل أصبحت مشهدًا يوميًا يتكرر في أحيائنا، حتى بتنا نسمع – بلا انفعال – عن سيدة نُهبت وهي تحمل رضيعها، وعن شيخ ضُرب لأنه لم يُسلم محفظته بسرعة، وعن طفل جُرح بسكين لأنه لم يفهم أوامر المجرم. إننا أمام ما يشبه الحرابة التي وصفها القرآن: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا…} [المائدة: 33]
لقد جرّبنا الوعظ العام، والإعلانات التحذيرية، والحملات التوعوية، والمطاردات الأمنية، لكن النتيجة محدودة، لأن أصل الداء لم يُمسّ، وأصل الداء هو غياب الردع الشرعي الصارم الذي يوقف المجرم عند حده، ويزرع الخوف في قلوب من تسوّل لهم أنفسهم تقليده.
إن الله – عز وجل – الذي خلق الإنسان، وأعلم بضعفه ونوازعه، هو الذي شرع حد السرقة وحد الحرابة، ليس انتقامًا ولا تشفّيًا، بل حفظًا للأمن العام، وصيانةً للأعراض والأموال، ورحمةً بالضعفاء قبل الأقوياء. فاليد التي تجرأت على المال الحرام تقطع، والنفس التي أفسدت في الأرض بالسلاح والإرهاب تُعاقب بما يزجرها ويزجر من وراءها، فيعود الأمن إلى الشارع وتنام الأرملة واليتيم بلا خوف.
لقد آن الأوان أن نواجه أنفسنا بصدق: لا حلّ مع هؤلاء المجرمين الذين لا يردعهم خلق ولا قانون بشري مخفف، إلا أن نُقيم فيهم حكم الله الذي لا يظلم أحدًا. إن التهاون في تطبيق شرع الله جريمة مضاعفة: جريمة في حق المظلومين الذين تُسفك دماؤهم وتُسلب أموالهم وتنتهك أعراضهم، وجريمة في حق المجتمع الذي يُربّى على أن الشريعة قابلة للإهمال أو التعطيل.
وليست المناداة بتحكيم شرع الله في الحياة العامة، وتربّية الأجيال على أحكام القرآن والسنة مجرد تراث نتغنى به، بل منهج حياة، وحَكَمٌ بين الناس في الدماء والأموال والأعراض. والعدل الحقيقي لا يقوم إلا على أساس وحي الله، وأن الأمن الدائم لا يُبنى إلا بسيف الحق، وأن كل قانون يخالف شرع الله عاجز عن حماية المجتمع مهما زخرفوه.
لذلك كان نداء اليوم هو نداء الأمس: أقيموا شرع الله في المجرمين، تُحمى دماء الأبرياء، وتصان أموال الناس، ويعود الأمن إلى ربوع الوطن. فحكم الله إن نُفذ يُفرح المؤمنين، ويُرهب المفسدين