حرب المصطلحات
سمير زمال/ إن حرية التعبير مكفولة في شريعتنا ومن حق كل مسلم عاقل مميز إبداء رأيه في حدود مكتسباته ومعرفته، وقد تكون الكلمة ضرورة في حياتنا ككل- تقويما ونقدا وتصحيحا – ، ولعل من الجدير بالذكر في هذا السياق نُذكّر أن النقد الإيجابي الهادف يزيد في جودة المفاهيم ويوسع الإنسانية بشكل عام وفي مناحي الحياة …

سمير زمال/
إن حرية التعبير مكفولة في شريعتنا ومن حق كل مسلم عاقل مميز إبداء رأيه في حدود مكتسباته ومعرفته، وقد تكون الكلمة ضرورة في حياتنا ككل- تقويما ونقدا وتصحيحا – ، ولعل من الجدير بالذكر في هذا السياق نُذكّر أن النقد الإيجابي الهادف يزيد في جودة المفاهيم ويوسع الإنسانية بشكل عام وفي مناحي الحياة ككل، خاصة إن كان في سياق معرفي داخل سياج من الإنصاف والعدل والتثبت، عكس النقد السلبي العاري من الأدلة والفقير إلى الحجج السليمةُ المبنى والمعنى، فيكون له عواقب وخيمة تُؤدي إلى تدليس الحقائق وسوء العواقب والإنحراف عن طريق الحقيقة، ومنه خطر شديد على الفرد والمجتمع المسلم بل الإنسانية جمعاء.
ومما حداني لكتابة هاته الكلمات هوما هالني من التعليقات والمناوشات والتجاذبات التي أضحت عليها الكثير من مواقع التواصل الإجتماعي خاصة الصفحات الفيسبوكية بما تحمله من ألفاظ ومصطلحات حول أحداث ونوازل دينية ودنيوية، تتجاوز في عمومها المدلول اللفظي للكلمة بما تحمله من دلالات متعددة الجوانب؛ فينبغي للعاقل الحصيف الوقوف عندها مليّا، فـيقبل الأخذ والرد في ما كان وما يكون في إطار ودائرة الأخوة الإسلامية والمحبة الشرعية فـ « إنما المؤمنين إخوة» وعلى أساس «وتواصوا بالحق»، وقبل ذلك الإخلاص والحرص على وحدة الصف كما يريد ربنا ويرضيه، ويطرح عنه ويُعفي قلمه مما له منحى مناف للأخلاق ويهدد الأمن وسلامة الجماعة المسلمة .
ما أريد بيانه أيها المباركون هو خطورة المصطلحات في الخطاب الإعلامي بمختلف رواسبه، خاصة أننا في مرحلة دقيقة وحساّسة ومخاطر تحيط بالعالم الإسلامي مما لا يخفى عليكم، من تحديات إقليمية وعالمية هجمات متتالية على ثوابته، فالإسلام إبتداءَ حذر من التنابز بالألقاب وشدّد على إجتناب السيّء من القول بل نهر عن الخوض فيما لا علم لنا به «ولا تقف ما ليس لك به علم» لِما يترتب عليه من مضار نفسية على الفرد وإنقسام وتناطح في صفوف الجماعة، ثم أرشد كتاب ربنا وسنة نبينا إلى ضرورة ربط أقوال المسلمين وانفعالاتهم بأحكام دينهم الداعية إلى حسن القول وإتباع أحسنه والعمل بما يخدم مجتمعهم، والتركيز في خطاباتهم وكلماتهم على ما يجمعهم تحت رابطة واحدة والتي تشمل في ثناياها إحترام الآٱخر وتبني منهج العدل والإنصاف في الحديث والتعبير، فالإسلام في حقيقته دين للإنسانية جمعاء بما حمله من معان ورؤى تخدم البشرية وتؤسس لحياة ٱآمنة يسودها العدل والحق في الحياة للجميع، ومن ذلك صِدق القول والتحري في إبداء الرأي بما ينفع ويخدم مصلحة الإنسان بالدرجة الأولى.
والأكيد أن أعداء الإسلام يعملون جاهدين ويجتهدون في ضرب أسس الدين باتخاذ وسائل مختلفة، أبرزها العمل على بث الكلمة المشتتة وتفريق الصف بإنتقاء أخبثها بدقة، واللعب على وتر الإنتماء العرقي والقبلي بدس السم في الكلام المعسول من خلال مقالات ومقاطع موجهة من مواقع ومنصات مأجورة مهمتها تدمير العقل المسلم بل وإختراق المجتمع لتشتيته ثم إضعافه لتسهيل السيطرة عليه، وذلك بإستخدام أدوات مدروسة ومُعدّة في مخابر مهمتها إيجاد ثغرات ومداخل لضرب الوحدة المجتمعية ومن ثم إختراق حاجز اللحمة الوطنية المبنية أساسا على الوازع الديني والقيم الروحية للإسلام [الجماعة .الأخوة .التعاون] .
الذي يلاحظ ويتتبع بعين التمحييص ما عليه الساحة العالمية خاصة ما يدور في الشرق الأوسط، أن أهم أدوات المشروع الصهيوني هو الإعتماد على إذكاء الإنقسامات العرقية والفكرية بتقويتها وايتخدامها مطية لأعمالها ومشاريعها العسكرية التوسعية، فكانت النتيجة ما ترونه خاصة مع ضعف المسلمين وتحالف الغرب مع الكيان اللقيط، فسلاحهم الأول هو الإعلام سواء المكشوف أوالمتستر وراء شعارات ظاهرها الحقوق وباطنها الفتن وكسر الروابط ليسهل التوغل والتدمير.
ولعل ما يمكن أن نستخلصه ونؤكده أن حرب المصطلحات من الأمور الحساسة التي توجب على الخائض فيها أن يكون من أهل التحقيق وبُعد النظر بإدراك ٱالأمور القريبة والبعيدة، خاصة في ميدان المواجهة والشؤون التي ترتبط بالشأن العام المسلمين، فعلى أصحاب الأقلام التأني وحسن إنتقاء الكلمات ذات المدلول الواضح الذي يزيد اللحمة والتماسك بعيدا عن تلك التي تحتمل التأويلات والتحليلات غير موفقة، واتخاذ منهج النقد الإيجابي المعتمد أساسا على النهج القرٱآني والنبوي القويم.
فيا أيها الأفاضل لا يعني سهولة كتابة وقول كلمة واحدة أنها محدودة المجال ، بل إن لها أثرا قد يتجاوز ما تتركه الرصاصة في جسد من وُجّهت له، فإنعكاساتها قد تكون أخطر بكثير مما نظن، فكم قامت معارك ومواجهات وترتبت علي إطلاقها تنازع يؤدي إلى الفشل والخسران والتنافر بل وإختراق العدوالمتربص للصف المسلم «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم»، وحوادث التاريخ أكبر شاهد، فكم سقطت دول وقامت حروب بسبب جرّة قلم وكلمة ارتجلها صاحبها في غير موضعها؛ فتنبه أيها الحبيب وكن صاحب أناة وميزان قبل الحديث أوالكتابة خاصة في المواضيع الحساسة والمنابر العامة، وصدق رسولنا الحبيب حين قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت».