صحوة قرآنية ولكن!؟
أ.د: عبد الحليم قابة رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائرييـن/ تشهد جزائرنا الحبيبة – وكذا غيرها من بلاد المسلمين – هذه السنوات إقبالا متزايدا وملفتا للانتباه على حفظ القرآن، ومسابقات القرآن، وسماع تلاوات مقرئي القرآن، والتفنن في تطبيقات تيسير التعامل مع القرآن، وغير ذلك من طرق الحفظ والاستذكار وإبداعات الأخيار. وذلك كله يُعدّ من مظاهر العناية …

أ.د: عبد الحليم قابة
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائرييـن/
تشهد جزائرنا الحبيبة – وكذا غيرها من بلاد المسلمين – هذه السنوات إقبالا متزايدا وملفتا للانتباه على حفظ القرآن، ومسابقات القرآن، وسماع تلاوات مقرئي القرآن، والتفنن في تطبيقات تيسير التعامل مع القرآن، وغير ذلك من طرق الحفظ والاستذكار وإبداعات الأخيار. وذلك كله يُعدّ من مظاهر العناية بالقرآن التي لم تكن أصلا، أو لم تكن بهذا الانتشار الواسع. وهذه المظاهر والتفننات -بمجموعها- شكلت ما أسميه (صحوة قرآنية) نسأل الله رشدها ورشادها وحسن عاقبة الأمة فيها. ومعلوم أن من سنن الله في كونه أن الصحوات غالبا ما يتبعها فتورٌ أو تنتابها تطرفاتٌ، أو تُبتلى بالأذى والعداوات؛ فكان لزاما أن نسهم في التحفيز والترشيد والتحصين، ولو بجهد المقل؛
فنقول – بحول الله وتوفيقه :
أولا: لا شك أن هذه الصحوة وهذا الإقبال على القرآن مظهر من مظاهر حفظ الله لكتابه، الذي ذُكر في سورة الحجر « إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون « فنسأل الله أن يجعلنا من أسباب تحقيق هذا المقصد الرباني العظيم، وأن يجعلنا أهلا لهذه المكرمة الكبيرة. ونحمد الله على انتشار معاهد التحفيظ ووفرة نشاطات التحفيز في ربوع وطننا العزيز بجهود جمعية العلماء بشُعبها المتنوعة، وبجهود المساجد والزوايا والجمعيات والأفراد، مما نسأل الله بركته ورشده.
ثانيا: إن الأئمة والدعاة مافتئوا يرفعون راية الدعوة للحفظ المتقن، والتجويد الحسن، والعناية بالأحكام مع بداية الحفظ والتلقين لكي يكون الحفظ سليما، ونحمد الله أن هذه الدعوة حققت مقاصدها، فعمّ الإتقان، وصرنا نسمع تلاوات متقنة من الرجال والنساء، والكبار والصغار،وتجاوز كثيرون هذه المرحلة بسلام.
ثالثا: إن من الترشيد الدعوة الصريحة لعدم الاقتصار على تجويد الحروف، والانتقال – مع ذلك – إلى فهم المعاني، وتدبر الكلام، وقد نجحت – نسبيا – هذه الدعوات، فصرنا نرى – في نوادي الجمعية والمدارس القرآنية وفي غيرها – عناية خاصة بالتدبر، وحلقات التفسير، ومسابقات التفسير، مما يحتاج منا إلى دعم وتشجيع، والله المستعان.
رابعا: إن أملنا من هذه الصحوة أن تكون سببا – بعد هذه المظاهر الطيبة – في عودة راشدة – على جميع المستويات – للعمل بالقرآن، والاحتكام إلى القرآن، والانقياد للقرآن، وقيادة الأمم بالقرآن،وهذا هو أعظم مقصد من نزول القرآن.
خامسا: إن الشيطان لنا عدوّ كما أخبرنا القرآن الكريم، فلا يرضى أن يترك هذه الصحوة على صراط مستقيم، فكان أن أوقع بعض إخواننا وأخواتنا في بعض المخالفات الشرعية والتطرفات السلوكية؛ لكي يذهب أجرهم ويُحرموا من بركة صحوتهم، من ذلك:
– المبالغة في الاهتمام بالتجويد على حساب الفهم والتدبر والعمل، والبقاء معه دهرا طويلا رغم أنه وسيلة لا غاية، وعلم آلة لا علم مقاصد. فتفوت المقاصد والغايات بسبب الإفراط في الوسائل والآلات.
– ومن ذلك: فساد النيات المُذهب للأجور والحسنات، فينسى الإنسان إرادة وجه الله بعمله ويتعلق قلبه بالجوائز وثناء الناس والتقديم في المجالس والمحافل؛ فيُحرم شفاعة القرآن ومنازل أهل القرآن، والعياذ بالله.
– ومن ذلك الغفلة عن مقاصد نزول القرآن وعن موازين القرآن وعن محاور القرآن، وعن ركائز القرآن، وعن هدايات القرآن، وعن قواطع القرآن، وعن غير ذلك مما نربأ بحافظ القرآن أن يُهملها، ويقف فقط عند الحروف وترنيمها.
وبعد، فهذه خواطر، وتنبيهات عن المخاطر، تتعلق بالصحوة القرآنية التي نعيشها، والتي لجمعية العلماء دور فاعل فيها، كما لغيرها من المساجد والزوايا والهيئات – الرسمية وغيرها – دورٌ واضح في ذلك، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وهذا كله غيض من فيض ما ينبغي فعله نصرة لديننا، ولأمتنا، ولوحدتنا، ولتفويت الفرص على أعدائنا.
وفي كل حال، جهود المسلمين ينبغي أن تتكامل، ولا ينبغي أن تتعارض، فالغايات واحدة، والطريق واحد، ولا يضر بعد ذلك اختلاف الأساليب والوسائل،
والله الموفق وهو يهدي السبيل.