في ذكرى الأمير عبد القادر: البطــــل الجـــزائـــري والشخصـيــة العـــالـميــــــة!
أ. عبد الحميد عبدوس/ تحل يوم الاثنين القادم 26 ماي2025 الذكرى الـ 142 لوفاة مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الذي وافته المنية بدمشق في 26 مايو 1883 عن عمر ناهز 76 عاما، (ولد سنة 1807 في قرية القيطنة بولاية معسكر) ودفن بحي الصالحية بجوار قبر الشيخ الصوفي، محيي الدين بن عربي، تنفيذا لوصيته. ثم أعيد دفن …

أ. عبد الحميد عبدوس/
تحل يوم الاثنين القادم 26 ماي2025 الذكرى الـ 142 لوفاة مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الذي وافته المنية بدمشق في 26 مايو 1883 عن عمر ناهز 76 عاما، (ولد سنة 1807 في قرية القيطنة بولاية معسكر) ودفن بحي الصالحية بجوار قبر الشيخ الصوفي، محيي الدين بن عربي، تنفيذا لوصيته. ثم أعيد دفن جثمانه بالجزائر في مقبرة الشهداء بالعالية في الذكرى الرابعة لاستقلال الجزائر في 5 جويليه 1966 بمراسيم رسمية بحضور الرئيس الراحل محمد بوخروبة (هواري بومدين) عليهما رحمة الله.
كان الأمير عبد القادر أحد عظماء التاريخ الإنساني، وقد أورد الكاتب والإعلامي الراحل الاستاذ عبد العزيز بوباكير في مقال له بعنوان «تحف الأمير والدوق دومال» وصفا للماريشال الفرنسي سولت اعتبر فيه الأمير عبد القادر الجزائري بأنه إلى جانب، محمد علي، حاكم مصر، والإمام شامل الداغستاني –كلّهم مسلمون– أعظم ثلاث شخصيات في القرن التاسع عشر.
ولا غرابة في ذلك فقد تسابق زعماء العالم من أمثال الإمبراطور نابليون الثالث، إمبراطور فرسا، والقيصر، ألكسندر الثاني، قيصر الروس، والملكة، فيكتوريا، ملكة انجلترا، والملك، غاريبالدي، ملك إيطاليا، والملك، أوتون الأول، ملك اليونان، والملك، غيوم الأول، ملك بروسيا، والرئيس، أبراهام لنكولن، رئيس الولايات المتحدة، وسلفه الرئيس الأميركي، جامس بوكانان، لتكريم الأمير عبد القادر والإشادة بخصاله وميزاته القيادية والإنسانية، وإتحافه بالهدايا القيمة، خصوصا بعد إنقاذه لأرواح ما يقارب 15000 مسيحي بدمشق سنة 1860.
بمناسبة الذكرى الثلاثين بعد المائة لوفاة الأمير عبد القادر صرحت الأمريكية بيتي بوشهولز، مديرة متحف مدينة «القادر» قائلة: «إن الأمير عبد القادر كان محلّ إعجاب كبير من قبل الأميركيين في الوقت الذي كان يقاوم فيه المستعمر الفرنسي، وكتبت عنه العديد من الصحف الأميركية مثل «نيويورك تايمز» مقالات صورته فيها بطلا حقيقيا، حتى أن بعض الأميركيين كانوا يلقبونه بجورج واشنطن الجزائر».
وكان الرئيس السابق للجنة الدولية للصليب الأحمر جاكوب كيللنبيرغر، قد أشاد بشخصية الأمير عبد القادر قائلا: «إن بعضا من القوانين التي سطرها الأمير عبد القادر لم تفقد من قيمتها حتى اليوم».
أما الكاتب البريطاني الشهير روبيرت فيسك فوصفه بأنه: «قدوة للمسلمين ومثار إعجاب للغربيين». وكتب عنه في جريدة «الأندبندنت» البريطانية: « الأمير عبد القادر نموذج للأمير المسلم، والشيخ الصوفي المحارب الشرس الإنسان، الذي حمى شعبه ضد البربرية الغربية، وحمى المسيحيين من بعض المتشددين الإسلاميين. حظي الأمير عبد القادر باحترام أعدائه قبل حلفائه».
أما رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية المرحوم، فرحات عباس، فيقول عن الأمير عبد القادر الجزائري: «بأنه قد جمع الحذاقة والدبلوماسية الفائقة مع العبقرية العسكرية السامية والمهارة الحربية الرائعة». ووصفته حفيدته الأميرة، بديعة الحسني الجزائري، بأنه أشبه «بالجبل الشامخ الذي يحتوي على كنوز نادرة» وقد أورد المؤرخ والداعية الليبي الدكتور علي الصلابي نصا تاريخيا مهما جاء فيه: «يقول رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، ويليام كلادستون، الذي حكم بريطانيا بين 1868-1874 (وعرف بأنه أخبث وأمكر رئيس وزراء بريطاني بعد هاميلتون)، يقول: حاولت بكلّ ما أملك أن أقنع الأمير السيد عبد القادر الجزائري بمنصب إمبراطور العرب لكي نوظفه ونستغله ضد العثمانيين، وبالرغم من العداء الشديد الذي كان بينه وبين الأتراك فإنّني لم أفلح بالرغم من كلّ الإغراءات والوعود والمزايا التي وضعتها فوق الطاولة للأمير بما فيها استقلال الجزائر وخروج المحتل الفرنسي من الجزائر، لكنه كان يرفض ذلك جملة وتفصيلا ومن دون نقاش.
هذا البطل الجزائري والنموذج الإنساني كان الكاتب اللبناني، جورجي زيدان، الذي ولد بعد سنة واحدة (1861) من المأثرة التي قام بها الأمير عبد القادر بإنقاذ المسيحيين بدمشق، فقد اتهمه بقوله: «إن الحركة الماسونية الرمزية دخلت دمشق بمساعي الأمير عبد القادر الجزائري». جورجي زيدان المعروف برواياته التاريخية التي بدأ إصدارها من أواخر القرن التاسع عشر واستمرت في الصدور إلى العقد الأول من القرن العشرين وبلغت 17 رواية عن التاريخ الإسلامي وكانت عبارة عن صياغة أدبية للأطروحات الاستشراقية عن التاريخ الإسلامي وتشويه شخصياته ورموزه بوقائع خيالية مختلقة، ورغم قلّة مصداقية الكاتب جورجي زيدان في سرد الحقائق التاريخية فقد لقي ادعاؤه عن الأمير عبد القادر، بالانخراط في التنظيم الماسوني قبولاً لدى بعض المؤرخين والمثقفين العرب، مع أن حفيد الأمير عبد القادر الأمير، سعيد الجزائري، نَشرَ مقالاً بتاريخ رمضان 1329هـ (سبتمبر 1911) أي بعد وفاة الأمير بتسع وعشرين سنة، نفي فيه بشدّة انتساب الأمير إلى الجمعيّة الماسونية، وتَحَدّى القائلين بانتسابه إلى التنظيم الماسوني أن يبرزوا شيئًا من الأدلّة المادية ولكنّهم لم يفعلوا!.
وقد ذهب المؤرخ التونسي، عبد الجليل التميمي، إلى الاعتماد على رسائل مزوّرة ليؤكد انتساب الأمير عبد القادر، إلى الماسونية، ولم يكتف بذلك بل أخذ يكيل التهم إلى الأمير، بلا تحفظ ولا تحقق، مدعيا أنّ الأمير عبد القادر، كان غارقا في الترف والتبذير خلال إقامته بدمشق يقول التميمي: «إنّ المتتبع لحياة الأمير عبد القادر بدمشق سوف يثير انتباهه تهافت الأمير على اقتناء الدور والأراضي الفلاحية والحصول على المال مهما كانت الوسائل المتبعة في ذلك ففي البداية أقرّت الحكومة الفرنسية منح الأمير راتبا سنويا قدره 15 ألف فرنك فرنسي وقد بلغ مع السنين 300 ألف فرنك فرنسي وهو مبلغ خيالي للغاية».
أما الأمير عبد القادر فقد قال عن نفسه: «لو جمعت فرنسا سائر أموالها وخيرتني بين أن أكون ملكا عبدا أو أن أكون حرا فقيرا معدما، لاخترت أن أكون حراً فقيرا».
كتابات المؤرخ التونسي، عبد الجليل التميمي، غير العلمية وغير الموثّقة هي التي اعتمد عليها كاتب لبناني يدعى اسكندر شاهين في كتابه «الماسونية.. ديانة أم بدعة» للترويج لتهم التميمي عن الأمير عبد القادر. ومن الكتاب الذين اتهموا الأمير عبد القادر بالانتماء إلى المحفل الماسوني الكاتب الروائي الجزائري، واسيني لعرج، الذي تم الرد على ادعائه من طرف العديد من المؤرخين والكتاب الجزائريين،كما اتهم الروائي الجزائري رشيد بوجدرة الأمير عبد القادر بخيانة المقاومة الشعبية، ولكنه اعتذر عن ذلك في وقت لاحق. كما اتهم النائب السابق عن حزب الأرسيدي نور الدين أيت حمودة نجل الشهيد العقيد عميروش، في قناة تلفزيونية جزائرية، الأمير عبد القادر بخيانة المقاومة الجزائرية والانتقال من القتال ضد فرنسا إلى القتال ضد الجزائريين، وهذا الافتراء المكشوف، عرضه لمحاكمة قضائية، وايداعه الحبس المؤقت ،كما كان الرئيس الأسبق لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين الدكتور عبد الرزاق قسوم، قد رد على افتراءات آيت حمودة، قائلا: «اتهام الرمز الوطني الجزائري الأمير عبد القادر بالخيانة، وهو الذي حمل السلاح 18 سنة من أجل كلمة الله والوطن، لا يقوله عاقل، ولا يصدر إلا عن شخص فقد الحد الأدنى من الصواب والوطنية والأخلاق».
هذه هي بعض الحقائق والأباطيل عن الأمير عبد القادر الجزائري الذي التحق بجوار ربه في 26 ماي 1883 .وقد كان ومازال وسيظل- بإذن الله – فخرا للجزائر وللعرب والمسلمين وللإنسانية المحبة لقيم الشهامة والسلام والتسامح.