موجوعون ياغزة
أ.د حجيبة أحمد شيدخ/ سأستعير عنوان كتاب الأسيرة المحررة البطلة إسراء جعابيص» موجوعة»، لأرسم ببعض الكلمات حالنا هذه الأيام مع ما يحدث في غزة … لقد كتبت إسراء كتابها لتبث على الأوراق آلام السجن وقهر السجّان، لم يكن من السهل أن تترك إسراء ابنها وأهلها وتوضع بين جدران السجن دون علاج لحروقها ومعاناتها، لقد كانت …

أ.د حجيبة أحمد شيدخ/
سأستعير عنوان كتاب الأسيرة المحررة البطلة إسراء جعابيص» موجوعة»، لأرسم ببعض الكلمات حالنا هذه الأيام مع ما يحدث في غزة … لقد كتبت إسراء كتابها لتبث على الأوراق آلام السجن وقهر السجّان، لم يكن من السهل أن تترك إسراء ابنها وأهلها وتوضع بين جدران السجن دون علاج لحروقها ومعاناتها، لقد كانت تكتب لتثبت قوتها ولتستمد من كلماتها الشجاعة على الظلم والظالمين، لقد كانت الكلمات تنسج لها خيوط النور التي تطل بها على الحياة، إلى أن نالت الحرية …
غزة التي لازالت تعاني القصف والإبادة منذ سنتين من الزمن تقريبا، وكل العالم يقف أمام ما يحدث عاجزا، بعضهم خذلانا وتآمرا وبعضهم ضعفا واستسلاما، فلربما حدثت مجازر في تاريخ الإنسانية مثل ما يحدث في غزة، لكنها ما كانت تنقل على المباشر للعالم ..لقد تحول العالم إلى سجن يحكمه رجلان عجز أمامهما الرجال؛ سجانان مجنونان يعيثان في الأرض فسادا…
موجوعون ياغزة، ونحن نسمع قصص ما يحدث بداخلك من قهر وفساد ودمار، ونرى الأطفال تقتلهم المجاعة… ولا نستطيع التغيير، وكم هو الوجع كبير في مثل هذه الحالة، لقد أصابتنا هذه الحرب الوحشية في عقولنا ووجداننا إنها استفزاز للمسلم في أية بقعة من الأرض، إذ يرى كيف يسترخص العالم دمه متجاهلا حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وحقوق الأطفال، حين يتعلق الأمر بالمسلمين …
موجوعون ونحن نقرأ الأدب الحزين تكتبه أديبات من غزة تنقلن صور الموت والحياة الحزينة على المباشر، كم هو متعب أن ترى أديبة مثل: «آلاء القطراوي» تتلقى خبر استشهاد أبنائها الأربعة، فتصبح تعيش على ذكرياتهم وتستعيد أعياد ميلادهم، تتحدث عن تفاصيل حياتهم كأنهم حاضرون …ثم تصوّر لنا هذه الأيام المجاعة، وحال الأهل هناك بأسلوب أدبي كأنه لا يستطيع التعبير عنه إلا هي، لملاحة كلماتها التي تكاد أن تتكلم، تقول في إجابتها لمن سألها: كيف تأكلين في ظل المجاعة ؟ فترد بأنها أصبحت تتخيل أنها أكلت الطعام أكثر مما تشتهيه…أما عن طعمه فتقول بأنها من بداية الإبادة ما عادت تشعر بماهية الطعم، فكل الأطعمة لها نفس المذاق، رائحة دخان النار وحزن طويل جدا بامتداد المقابر الجماعية وخاصة تلك القبور التي كتبوا عليها: مجهول الهوية … بكل بطولة لا تتوقف آلاء عن الكتابة برغم الفقد والحرب والدمار، فتأتيها بالأمل الجميل، إذ تفوز بجائزة سعاد الصباح للإبداع الفلسطيني عن ديوانها: «خيمة في السماء»، الذي أهدته لأبنائها الشهداء …
أي وجع ياغزة تتحمله أمهات أرضك الطاهرة وهن تودعن فلذات الأكباد، مرة قصفا، ومرة بسبب سوء التغذية… إننا موجوعون ونحن نرى الأطفال قطعا متناثرة، فالمنظر متعب، وأشد ألما منه منظر قوافل الموتى والأحياء يصلون عليهم، يعصرهم الألم، غير مستبعدين موتهم في أي لحظة، ومنظر أولئك الذين يأكلون من الجوع قطعا ملطخة بدماء من رحلوا، ومنظر … ونرى استهداف الصحفيين لأنهم يعرّون الظلمة، فينضم اليوم إلى القافلة الصحافي: «حسن أصليح» الذي كان يحادث أصدقاءه قائلا: إذا استشهدت فمن الممكن أن يتحدثوا عني ساعتين من الزمن ثم ينسون وأصبح مجرد رقم. «حسن أصليح» الذي ادعى الصهاينة أنه من حماس وبذلك أقروا تعمدهم استهدافه، لقد أرعبتهم حماس وكان من الممكن أن تكون هذه الضربة القاضية لهم، ولكن الخيانة والغدر أوجدا غير ذلك…
موجوعون يا غزة ونحن نرى أبناء ديننا يوالون الكفار دون حياء أو تراجع، يبيعون أرض الإسلام لاستدمارٍ له أنياب خبيثة، يسلّمونه الأموال الطائلة مقابل أسلحة دمارٍ لا يستعملونها إلا لحماية عروشهم، وترويع أبنائهم . …إننا متعبون نبحث عن الحلول لكّن لا جدوى…فنحن محتاجون إلى إعادة مراجعة كل أمورنا في جميع المجالات، لأنك كشفت المستور وفضحت تخلفنا وعجزنا ونفاق كثيرٍ منا. لقد أصبحنا كجزرِ الحلاوة؛ هشة سهلة المنال…