أسس التربية والتعليم في رؤية الشيخ العربي التبسي (الجزء الثالث)
أد.إسماعيل سامعي/ الأساس السادس–الصحة: الصحة عنصر فعال في التحصيل العلمي بالنسبة للطلاب (العقل السليم في الجسم السليم)، ولذلك نبه العربي التبسي إلى هذا العامل ونوه به، بل عمل على تطبيقة في المعهد من خلال النظافة، فقد سهر الشيخ التبسي مدير المعهد على توفير وسائل الصحة الناجعة والفعالة وطرقها العلمية، وهي: 1- تزويد المعهد كما يقول …

أد.إسماعيل سامعي/
الأساس السادس–الصحة: الصحة عنصر فعال في التحصيل العلمي بالنسبة للطلاب (العقل السليم في الجسم السليم)، ولذلك نبه العربي التبسي إلى هذا العامل ونوه به، بل عمل على تطبيقة في المعهد من خلال النظافة، فقد سهر الشيخ التبسي مدير المعهد على توفير وسائل الصحة الناجعة والفعالة وطرقها العلمية، وهي:
1- تزويد المعهد كما يقول بالماء الساخن للطهارة، وغسل الثياب حتى أصبحت النظافة فاشية في طلاب المعهد، والنظافة نعم العون على الصحة كما يقول.
2- التغذية الكافية والجيدة، وهي الوسيلة الأساسية لحفظ الصحة، ورغم أن المعهد في البداية لم يكن قادرا على توفيرها، فإنه نبه الأولياء لأهميتها. بعد ذلك عمل على إنشاء مطعم نظامي يجمع بين وفرة المادة الغذائية، ويسر النفقة، فسوء التغذية كما يقول عائق للنمو الجسمي، ويعرضه للأمراض الخطيرة، وهو ما تعمل الكثير من الدول على توفيره لطلاب العلم، ولاسيما الجزائر حيث لا توجد اليوم مدرسة من دون مطعم مدرسي، ولا جامعة من دون مطعم جامعي، وهي أيضا مجانية في معظمها.
3- سعى الشيخ العربي التبسي لإيجاد إقامة صحية جيدة لطلاب المعهد يتبين ذلك من خلال مقالاته التي يدعو فيها إلى مساعدة الأمة للمعهد في إيجاد مساكن لائقة ودائمة لطلاب المعهد، حتى يتفرغوا للتحصيل العلمي، والمسكن اللائق عنصر من عناصر الصحة، وفي هذا المجال تم إنشاء دار الطالب أو التلميذ المعروفة «دار الطلبة».
4 – دعا أيضا الشيخ العربي التبسي مدير المعهد إلى تعليم الطلاب قواعد الصحة من جلبه لأشهر الأطباء الجزائريين لأجل إعطاء دروس في الصحة لطلاب المعهد منهم الدكتور الطبيب « ابن شريف» الذي أثنى عليه الثناء الجم، ويذكر أنه واضب على القيام بتقديم هذه الدروس، مستعينا باشرطة سينمائية أعدت لهذا الغرض التثقيفي، وأيضا الأطباء: محمد الجيجلي، وابن عبد الرحمن، وعلاوة عباس، وابن الفقون، وعلواش….
الأساس السابع- الرياضة: تمشيا مع الحكمة القائلة «العقل السليم في الجسم السليم» كان سعي الشيخ العربي التبسي مدير المعهد في هذا المجال، فقد كتب يقول: « … وقد وجه المعهد عناية كاملة لإتمام ما بدأه في السنة الماضية – أي الأولى – من أجل الرياضة البدنية في برنامجه التكميلي . فنظم من تلاميذ المعهد عدة فرق لكرة القدم، وشرعت كلها في التدريب أيام الراحة من أول السنة، وهي سائرة فيه بخطى تبشر بالنتائج المرضية.
ويظهر أن اختيار المعهد لكرة القدم يعود لأسباب الحيز المكاني، فالرياضيات الأخرى تحتاج إلى حيز مكاني معد، ووسائل؛ بينما كرة القدم وهي اللعبة المشهورة والمنتشرة يمكن التدرب عليها في أي ساحة كانت ووسائلها بسيطة خاصة وأن المعهد كان منشغلا عند انطلاقته بتوفير أمكنة للدراسة وللإقامة لطلابه أولا، وأن المعهد كما يخبر الشيخ المدير ظل يعاني من أزمة مالية، وترتبت عليه ديون كثيرة لابد من سدادها؟.
الأساس الثامن- التمويل المالي: لم يهمل الشيخ العربي التبسي المال عصب الحياة، وبه تؤدى وتنجز كل المهام، لاسيما المدرسة بمكوناتها، فهي تحتاج بعد بنائها إلى صيانة دائمة، وإلى دفع مرتبات الشيوخ المدرسين، الشيءالذي لا تقدر عليه إلا الحكومات بالنسبة للتعليم العام، وحكومة الاستدمار لا تولي اهتماما لتعليم الأهالي ولا للتعليم العربي فهي تحارب التعليم الحر حتى في صورته التقليدية، ولذلك كان التبسي في مقالاته يتناول هذه الحقيقة، ويذكر أغنياء الأمة ونوابها في المجالس بضرورة التركيز على هذا العنصر باعتباره حقا من حقوق الإنسان إكراما للعلم والعقل فيقول: «لأن العلم في مقدمة الحقوق الطبيعية للإنسان ما دام الإنسان هو العقل والفكر لا الجثة والحيوانية المطلقة»، ويرى أن تسيير مدرسة وبقائها تحتاج كل سنة دراسية إلى مال وفير، وعلم غزير، وشعب يقظ، ويربط حاضر التربية والتعليم بماضي الأمة فيقدم مثالا حيا: «…ونحن وإن لم تكن لنا حكومة فقد وقف أوائلنا على العلم والتعليم جميع ما يحتاجه» وهذا في إطار ما كان يسمى الأوقاف.
ومنذ تأسيس المعهد كانت تشرف عليه ثلاث هيئات مسؤولة أمام المجلس الإداري، وهي: الهيئة العلمية، والهيئة المالية، وهيأة المراقبة والضبط، والهيئة التي تعنينا هنا هي الهيئة المالية التي تقوم بجمع المال وضبط صرفها في مصالح المعهد التي تقررها الهيئات الثلاث، ويتضح من هذا أن المعهد كانت مصادر ميزانيته هي التبرعات، والهبات، ومن هنا نلمس ما كان يعانيه خاصة أمام تزايد المقبلين عليه من الطلاب، ومعظمهم من أبناء الفقراء، أما الأباء الأغنياء، وأصحاب الأموال فهم يرسلون أولادهم إلى المدارس الفرنسية، ومدارس أخرى كمدارس الزوايا، ولم يخل مقال للشيخ المدير حول المعهد من التنبيه إلى هذا الأمر؟ وينبه إليه ضمير الأمة، ويدعوها إلى التبرع ومساعدة طلاب العلم، ويتوجه أحيانا إلى الشعب الجزائري ويقول: «والمعهد اليوم أيها الشعب الجزائري يتطلب منكم أن تمدوه بوسائل حياته، ونموه، وما هذه الوسائل في الجملة إلا الجود عليه بالمال الكافي لتسييره، وما هذه الوسائل تفصيلا إلا إعداد أمكنة بالشراء أو بالكراء للدراسة للسنوات الأربع»؛ وفي مكان آخر يقول: «ونحن نهيب بالأمة إلى اعتبار المعهد من الضروريات الحيوية، وإمداده بالتبرعات».
وفي الختام أرى أن الشيخ العربي التبسي مدير معهد عبد الحميد بن باديس بقسنطينة زواج بين الأصالة والحداثة أو المعاصرة، فقد أدخل مواد للتدريس إلى جانب المواد التقليدية كالصحة، والرياضة، والفن المسرحي، ودعا الشيخ إلى الأخذ بالعلوم الحديثة من منابعها في أوروبا. وفي هذا يقول: «والشعب إذا أراد الحياة فليكن كالأمم الأخرى التي نشدت الحياة فبلغتها، ومعنى ذلك أن تجرد نفسها من أكسية الجمود والنقائص التي ورثتها عن الأباء، كما تجردت من ذلك الأمم الغربية، فإننا مادمنا متمسكين بذلك الجانب الناقص المعيب من ميراث الأباء فهيهات أن نحظى بنيل ما نطمح إليه من المعالي».