الإعدادات الضرورية للوقاية من النوازل والكوارث الابتلائية

أ. محمد مكركب أبران نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/ مفهوم الإعداد في فلسفة اهتمامات الإنسان هو التهيؤ والتحضير للمستقبل الذي يريده، وللوقاية من الخطر الذي يخافه، ولنيل المراتب والحاجات التي يحبها ويريد الظفر بها. فطلب العلم من الإعداد، بل من أجَلِّ وأعظم أنواع الإعداد، وتحصين المدن، وتدريب الجيوش، وابتكار الوسائل الدفاعية الخاصة جدا والتي …

أغسطس 5, 2025 - 15:42
 0
الإعدادات الضرورية للوقاية من النوازل والكوارث الابتلائية

أ. محمد مكركب أبران
نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/

مفهوم الإعداد في فلسفة اهتمامات الإنسان هو التهيؤ والتحضير للمستقبل الذي يريده، وللوقاية من الخطر الذي يخافه، ولنيل المراتب والحاجات التي يحبها ويريد الظفر بها. فطلب العلم من الإعداد، بل من أجَلِّ وأعظم أنواع الإعداد، وتحصين المدن، وتدريب الجيوش، وابتكار الوسائل الدفاعية الخاصة جدا والتي لا يعرفها الأعداء، هي من أقدس أنواع الإعداد. كما يكون الإعداد للكوارث التي تنزل بأمر الله ابتلاء، كالفيضانات، والحريق، والزلازل، والحروب، وكل الأزمات المتوقعة في حياة الناس. وهذا هو موضوع المقال. وهناك الإعداد ليوم القيامة، وما أدراكم ما يوم القيامة. ففي الخبر عن أنس رضي الله عنه، أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال: متى الساعة؟ قال: [وماذا أعددت لها]. قال: لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: [أنت مع من أحببت] (البخاري:3688) ماذا أعددت لها؟ أي ماذا هيأت من الأعمال الصالحة التي هي أحق بالسؤال عنها والاهتمام بها.
فالذي يقرأ هذا الحديث قد يقف عند ظاهره وهو: [أنت مع من أحببت] وهذا المعنى الظاهر وارد حقا بضوابطه. ولكن الحكمة في الحديث أمور: الأول: أن الرجل دفعه الاهتمام بالساعة، وهذا الاهتمام دال على يقظته وعدم غفلته، وهذا هو الأهم في الإعداد. الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال له: [وماذا أعددت لها]؟ يعني أن الساعة لا بد لها من إعداد خاص. الثالث: من كان يحب الله ورسوله فليعمل بطاعتهما، وهذا هو المقصود، أنت مع من أحببت، أي: أنت تتبع الرسول عليه الصلاة والسلام، وبا تباعك إياه تعلم ما هو الواجب إعداده للساعة. لأن الله تعالى قال: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ (آل عمران: 31) والمعنى أن طريق محبة الله تعالى، هو: حب رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلامة حبه صلى الله عليه وسلم، هو اتباع شريعته بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه. والقاعدة القرآنية في القرآن الكريم، في هذه المسألة. ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ (النساء:69) ونعود إلى موضوع المقال: وهو الإعداد للزمان الدنيوي، للجهاد الاقتصادي، والجهاد العلمي، والجهاد الدفاعي العسكري. وكل هذا إذا كان بنية خدمة الدين، ونصرة الله سبحانه، وتحصين الأوطان، وخدمة المسلمين، فإن كل ذلك من الإعداد للساعة.
والموعظة في هذا الباب، تقول:{ فاعمل لدنياك كأنك تعيش أبد. واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا }. فلا تنسوا هذه الموعظة. قال الله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ..﴾ (الأنفال:60) والمعنى: وأعدوا العدة التي في إمكانكم القدرة عليها، أيها المسلمون، أعدوا لقتال أعدائكم، أعدوا لهم جميع أنواع القوة المادية الحسية كالسلاح، والقلاع والحصون، والمؤونة، والدواء، وتحصين المدن بالوقاية الضرورية.، وأعدوا لهم من القوة المعنوية،كالعلم، والإيمان، والتخطيط، والنظام، والإخلاص، والتوكل على الله، والدعاء. لتُخيفوا بتلك القوة الكفار أعداء الله وأعداءكم، أي لكي لا يطمع فيكم الكفار، لتكونوا أهلا للمطالبة بالحق، والوقوف في وجه الباطل وأهله. قال الله تعالى: ﴿وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ﴾ فالمطلوب منكم أيها المؤمنون أن تعدوا القوة التي تجابهون بها تحديات الكافرين، ولتوقفوهم عند حدهم، ومن جهة أخرى، لترهبوا به آخرين من غيرهم، وهم بعض المنافقين، والمتواطئين، وبعض الخائنين، الذين يتربصون بالمسلمين الدوائر ليطعنوا في الظهر، ممن قد يكونون بين المسلمين، من الحاقدين، والحاسدين، فإذا قامت الحرب مع العدو، قد يتواطؤون معه وينقلبون على المسلمين. فهؤلاء الذين لاتعلمونهم والله يعلمهم، فإن كان إعدادكم أيها المسلمون في مستوى الاجتهاد والإخلاص والتوكل، كما أُمِرْتُم، فحينها ينصركم الله، ويُذل الأعداء المعتدين، ويكسر شوكة المنافقين الخائنين. واعلموا أن أول الإعداد العمل بالوصية:[اسْتَعِينُوا عَلَى إِنْجَاحِ حَوَائِجِكُمْ بِالْكِتْمَانِ؛ فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ] (المعجم الصغير للطبراني:1186) ومن الذين كانوا يخونون، ويعينون الأعداء، وهم بالمدينة مع المسلمين، بعض اليهود، وبعض المنافقين، وما زال في وقتنا هذا من يسمون اليهود، وكثير منهم يخونون، وبعضهم يسكنون أوطان المسلمين. والقرآن صالح لكل زمان، ولذلك قال الله سبحانه: ﴿وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ﴾ فالمعنى أن يكون الإعداد المطلوب، لمقاومة المعتدين الذين يعتدون في جبهة حربية معلنة، والإعداد الضروري، أيضا للذين هم من دون العدو من جبهات أخرى، وهذا يقتضي الانتباه واليقظة والحزم والصرامة مع المتواطئين، والمتربصين. وقد نبه الله سبحانه لهذه المسائل. فقال تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾ (النساء:71) والمعنى: يا معشر المؤمنين احترزوا من عدوكم واستعدوا له، وأعدوا له، وتفطنوا، فإن هاجمكم العدو، فاخرجوا إِلى الجهاد جماعات متفرقين، سريةً بعد سرية، أو اخرجوا مجتمعين في الجيش الكثيف، وخير الله المؤمنين ليكون خروجهم للعدو حسب ظروف الواقع.
ولا ينبغي للمسلمين ولا يجوز لهم الاستسلام للكافرين إن هاجموا بلدانهم، أو احتلوا أراضيهم. قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (الأنفال:45،46) هذا إِرشاد إِلى سبيل النصر في مبارزة الأعداء. فإذا لقيتم جماعة من الكفرة يحاربونكم فاثبتوا لقتالهم ولا تنهزموا، فإن التولي يوم الزحف من الكبائر. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ. وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ (الأنفال: 15،16) وقد فسر الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا الأمر في القتال، فقال: [يا أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف] ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: [اللهم، منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم، وانصرنا عليهم] (مسلم، باب كراهة تمني لقاء العدو، والأمر بالصبر عند اللقاء: 1742)