“تحذير رسمي من وزير العدل : لا تسامح مع أغاني تمجيد المخدرات والجريمة!”
أطلق وزير العدل” لطفي بوجمعة” تحذيراً شديد اللهجة ضد كل أشكال الأغاني أو المواد الإعلامية والفنية التي تتضمن تمجيداً للمخدرات أو التحريض على العنف والجريمة، مؤكداً أن القانون سيكون صارماً في هذا المجال، ولن يتم التساهل مع أي محتوى من هذا النوع، سواء في الوسائط التقليدية أو على منصات التواصل الاجتماعي. هذا التحذير يعكس قلق …

أطلق وزير العدل” لطفي بوجمعة” تحذيراً شديد اللهجة ضد كل أشكال الأغاني أو المواد الإعلامية والفنية التي تتضمن تمجيداً للمخدرات أو التحريض على العنف والجريمة، مؤكداً أن القانون سيكون صارماً في هذا المجال، ولن يتم التساهل مع أي محتوى من هذا النوع، سواء في الوسائط التقليدية أو على منصات التواصل الاجتماعي.
هذا التحذير يعكس قلق السلطات من تفشي هذا النوع من “الفن المسموم” الذي أصبح يتسلل إلى عقول الشباب في غياب رقابة مجتمعية كافية، وفي ظل طغيان الخطاب الترفيهي على القيم.
“الفن ليس فوق القانون”
شدد وزير العدل على أن حرية التعبير والفن لا تعني الفوضى أو تبرير نشر السلوكيات الإجرامية، مؤكداً أن الدولة لن تقبل بأن تتحول الأغاني أو مقاطع الفيديو المنتشرة على الإنترنت إلى أدوات ترويج للمخدرات أو تمجيد للجرائم بمختلف أنواعها، سواء تعلق الأمر بالسرقة، الاعتداء، أو حتى حمل السلاح الأبيض.
وأضاف الوزير أن هناك توجهات لتفعيل النصوص القانونية الرادعة ضد كل من يساهم في ترويج هذه الآفات من خلال محتوى فني أو إعلامي، كما يتم العمل على إدماج فصول جديدة في إطار مراجعة المنظومة القانونية، بما يتماشى مع التحديات التي تفرضها التكنولوجيا الجديدة وانتشار المحتوى على نطاق واسع وسريع.
الانتشار الواسع لأغاني “الشارع”.. قنبلة موقوتة
تعج منصات مثل يوتيوب، تيك توك، وإنستغرام بمقاطع موسيقية وأغانٍ تُصنف ضمن “راب الشارع”، والتي تحمل مضامين تمجّد تعاطي المخدرات، تتحدث عن بيعها، أو تحوّل مرتكبي الجرائم إلى “أبطال” في عيون المتابعين، خصوصاً من فئة الشباب والمراهقين.
هذه الأغاني، التي تُسجّل أحياناً في غرف بسيطة وبمعدات محدودة، سرعان ما تحصد ملايين المشاهدات، وتخلق موجات من “التقليد الأعمى”، حيث أصبحنا نرى مراهقين يصورون أنفسهم وهم يحملون أسلحة بيضاء أو يتفاخرون بتجاربهم في “السوق السوداء”، محاولين تقليد نجوم “الراب الجريء”.
وتشير التحقيقات إلى أن هذا النوع من المحتوى ساهم في تشكيل نوع من “ثقافة الانحراف”، حيث يتم تبرير الجريمة، والتهوين من عواقب تعاطي المخدرات، بل وتقديمها كجزء من “الحياة اليومية” للشباب في الأحياء الشعبية.
القانون موجود.. لكن التطبيق؟
من الناحية القانونية، تمتلك الجزائر ترسانة تشريعية تسمح بملاحقة من يروّجون للمخدرات أو يحرضون على الجريمة، حتى عبر الوسائط الرقمية. فالقانون المتعلق بالوقاية من جرائم المعلوماتية ومكافحتها يُجرّم كل من ينشر أو يروج لمحتوى غير قانوني عبر الإنترنت، بما في ذلك المحتوى التحريضي أو الذي يمس بالقيم الأخلاقية والاجتماعية.
إلا أن التحدي الأكبر لا يكمن في غياب النص القانوني، بل في القدرة على الرصد والمتابعة والتطبيق. فكم من أغنية تحرّض على الجريمة تنتشر لأشهر دون أن تتحرك السلطات؟ وكم من حسابات على مواقع التواصل تمتلئ بمحتوى مخالف تمرّ دون مساءلة؟ هنا يكمن التحدي الحقيقي الذي أشار إليه وزير العدل، حين دعا إلى تنسيق الجهود بين مختلف الجهات، من الأمن إلى النيابة العامة، مروراً بالوزارات المعنية بالشباب والثقافة.
دور العائلة والمدرسة والإعلام
مكافحة هذه الظاهرة لا يمكن أن تقتصر فقط على الردع القانوني، بل تتطلب مقاربة شاملة تبدأ من الأسرة وتنتهي بالإعلام. فالفراغ التربوي، ضعف دور المدرسة، وغياب الإعلام التوعوي ساهموا في خلق بيئة تسمح بانتشار هذا النوع من “الفن السلبي”.
من جهة أخرى، هناك حاجة ملحة إلى دعم الفنانين الملتزمين والمحتوى الراقي، وتقديم بدائل ثقافية جذابة للشباب، بدل أن يُترك المجال فارغاً أمام من يروّجون للانحراف كخيار حياة.
كما أن مسؤولية كبرى تقع على عاتق منصات التواصل الاجتماعي، التي باتت تُستعمل كمنابر لتسويق “صورة البطل الخارج عن القانون”، ويجب أن تتحمل هذه المنصات دورها في مراقبة المحتوى والامتثال للقوانين الوطنية، خاصة تلك التي تتعلق بالأمن المجتمعي.
الظاهرة في أرقام.. ناقوس الخطر
وفقاً لتقارير أمنية وإعلامية، تم خلال السنوات الأخيرة توقيف عدد من صانعي المحتوى الذين تورطوا في الترويج للمخدرات أو عرض أسلحة بيضاء ضمن فيديوهات ترفيهية، وغالباً ما يكون دافعهم هو “البوز” أو تحقيق مشاهدات عالية تدرّ عليهم المال.
في الوقت نفسه، تشير بعض الإحصائيات إلى أن نسبة كبيرة من الجرائم التي تُرتكب في الوسط الحضري تكون مرتبطة بشكل مباشر بتأثير محتويات فنية أو رقمية، خصوصاً في أوساط القُصّر. وهذه المؤشرات تستوجب دق ناقوس الخطر، ومواجهة الظاهرة بمنهجية مدروسة.
صوت المثقفين والفنانين.. مطالب بتطهير الساحة
بعض المثقفين والفنانين عبروا عن ارتياحهم لتصريحات وزير العدل، مؤكدين أن الوقت قد حان لوضع حد لهذا الانفلات، الذي أساء لصورة الفن في الجزائر، وحوّل الإبداع إلى وسيلة لتكريس الرداءة والتحريض على السلوكيات المنحرفة.
الفنان المسرحي والمخرج المعروف” فؤاد بن ذوبابة” صرح لجريدة الوسط قائلاً: “ليس كل من حمل ميكروفوناً أصبح فناناً، ولا كل من نال مشاهدات يُصنّف كمبدع. نحن بحاجة إلى غربلة حقيقية في الوسط الفني، وتفعيل القانون لوقف هذه الموجة الخطيرة”.
كما دعا الفنان إلى تفعيل آليات الرقابة الثقافية، ووضع معايير واضحة لدعم الإنتاج الفني، بحيث يتم توجيه الدعم العمومي نحو أعمال تحمل رسالة مجتمعية إيجابية، بدل تشجيع المحتوى الخالي من أي مضمون.
هل تنجح الجزائر في محاربة “الفن المسموم”؟
التحذير الذي أطلقه وزير العدل يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه بحاجة إلى خطوات عملية تليه، سواء في شكل حملات توعية، ملاحقات قانونية صارمة، أو إطلاق مشاريع فنية بديلة تسحب البساط من تحت أقدام دعاة “الفوضى الموسيقية”.
الرهان لا يتعلق فقط بحماية الذوق العام أو الحفاظ على صورة الفن الجزائري، بل بحماية أجيال من الشباب من الوقوع في براثن التدمير الذاتي باسم “الحرية” أو “الإبداع”.
وإذا كانت مواقع التواصل قد منحت لكل فرد منبراً وصوتاً، فإن الدولة بدورها مطالبة بأن تكون حاضرة بنفس القوة، بقانونها، بمؤسساتها، وبقيمها، حتى لا تتحول هذه المنابر إلى أدوات لهدم ما تبنيه المدرسة، والعائلة، والمسجد، والإعلام المسؤول.