حتى لا ننسى..
أ. كمال رويبي/ في حياة الأمم محطات فارقة، تصنع هويتها وترسم ملامح مصيرها. ومحطات الجزائر محفورة نقشت بدماء الشهداء وعرق المجاهدين، فلا يجوز أن تُطوى في غياهب النسيان. ويأتي يوم المجاهد – 20 أوت ليكون منارة مضيئة، تذكّرنا بأن الحرية ليست هبة ولا صدقة ولا منحة، بل ضريبة دفعها ملايين من الرجال والنساء والأطفال من …

أ. كمال رويبي/
في حياة الأمم محطات فارقة، تصنع هويتها وترسم ملامح مصيرها. ومحطات الجزائر محفورة نقشت بدماء الشهداء وعرق المجاهدين، فلا يجوز أن تُطوى في غياهب النسيان. ويأتي يوم المجاهد – 20 أوت ليكون منارة مضيئة، تذكّرنا بأن الحرية ليست هبة ولا صدقة ولا منحة، بل ضريبة دفعها ملايين من الرجال والنساء والأطفال من دمائهم وأعمارهم..
حتى لا ننسى المناسبة
ويوم المجاهد ليس مجرد تاريخ في دفتر الزمن، بل هو ذاكرة وطنية متجددة، ورسالة اعتراف ووفاء لمن صنعوا الحرية. حين تحتفي الجزائر بهذا اليوم، فهي لا تكرم الأشخاص فقط، بل تكرم القيم التي جسدوها: التضحية، الفداء، والإيمان بأن الجزائر تستحق الحياة…
حتى لا ننسى أحداثها ومعانيها
وفي 20 أوت 1955، دوّت هجمات الشمال القسنطيني بقيادة الشهيد زيغود يوسف، فكانت زلزالًا قلب الموازين، وأثبتت أن الثورة ليست محصورة في رقعة، بل هي ثورة شعب بأسره..
وفي 20 أوت 1956، جاء مؤتمر الصومام لينقل الثورة إلى مرحلة جديدة من التنظيم والوحدة، فأرسى مبدأ أولوية الداخل على الخارج، وأولوية السياسي على العسكري، وأكد على مركزية العمل الجماعي. ورغم ما أثير حوله من جدل كبير، فإنه يبقى محطة تاريخية حاسمة من مسار الثورة العظيمة، ومفصلاً مهمًّا في بناء مؤسساتها وهيئاتها.
حتى لا ننسى فضل الرجال
من الشهداء والمجاهدين
قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: 237]. وإن أعظم الفضل هو فضل أولئك الرجال من الشهداء والمجاهدين، الذين تركوا الدنيا وراء ظهورهم، وكتبوا بدمائهم أعظم ملحمة في تاريخ الجزائر، وشكرهم لا يكون بالكلمات وحدها، بل بحفظ عهدهم، وحماية ميراثهم، وتجديد العهد معهم جيلًا بعد جيل.. ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
حتى لا ننسى أولئك المجاهدين الأوائل من الأوراس
وحتى لا ننسى أولئك الأبطال من الأوراس، الذين اختيروا بعناية، وكانوا 73 من خيرة القناصين، أُرسلوا بقيادة القائد زيغود يوسف نحو الشمال القسنطيني لفك الحصار عن الأوراس. هناك كانوا النواة الصلبة للجهاد في تلك المناطق، ونجحوا في إشعال فتيل الثورة في ربوع جديدة. استشهد معظمهم في ميادين الشرف، ولم يعودوا إلى قراهم وأهلهم، لكنهم عادوا خالدين في ذاكرة الوطن، ورموزًا للوفاء والفداء. إنهم الشهداء الذين لم تنطفئ بنادقهم إلا بعد أن كتبت الجزائر فجرها بمداد الدماء..
حتى لا ننسى قيم التضحية والبذل
ومنذ فجر التاريخ، والجزائر مدرسة في الصمود والتضحية. قاومت الحملات الصليبية، وردت الغزاة وتصدت لهم في كل شبر من أرضنا الطاهرة المباركة، إلى أن عانقت ملحمة التحرير الكبرى ضد الاستكبار الفرنسي. إن يوم المجاهد يذكرنا بأن التضحية ليست استثناءً، بل هي قدر الجزائر ورصيدها الخالد.
حتى لا ننسى ضريبة الحرية
والحرية التي نعيشها اليوم لم تُمنح لنا هدية، بل انتُزعت بدماء ودموع وآهات. كل قطرة دم سالت في الجبال والوديان كانت ثمنًا لهذه الراية المرفوعة. ومن يتهاون في حفظ الحرية إنما يخون وصية الشهداء.
حتى لا ننسى من خدم الجزائر وكان وفيًا لقيم نوفمبر
وإن الوفاء لروح نوفمبر لا يقتصر على المجاهدين فحسب، بل يشمل كل من حمل رسالتهم بصدق، في التربية والتعليم، في العلم والعمل، في بناء المؤسسات وخدمة المجتمع والحفاظ على الأمن.. إنهم الامتداد الطبيعي لجيل التحرير، وأمانة التاريخ تفرض علينا أن نذكرهم ونقدرهم..
حتى لا ننسى واجبنا تجاه أبنائنا وشبابنا
وذاكرة الأمم إذا لم تُنقل للأجيال ذابت واندثرت. وواجبنا أن نغرس في أبنائنا معنى التضحية، وأن نعلّم شبابنا أن الجزائر ليست مجرد مكان يُسكن، بل وطن يستحق أن يُبنى بالعقول والقلوب. جيل الثورة كان جيل الحرية، وجيل الاستقلال كان جيل البناء، فلنكن نحن وأبناؤنا جيل القوة والتفوق، نرفع الجزائر إلى مصاف الأمم العظيمة..
حتى لا ننسى واجب الوفاء للوطن
وخدمة الوطن ليست شعارًا يُرفع، بل مسؤولية تُعاش. الوفاء للجزائر أن نكون أمناء في أعمالنا، مخلصين في مسؤولياتنا، حريصين على نهضتها ووحدتها. الوفاء للوطن أن نُشيّده بعرقنا وجهدنا ومداد أقلامنا.. كما حرره الشهداء بدمائهم..
حتى لا ننسى أن الوحدة والاستقرار حق للوطن
والوحدة التي كانت سرّ النصر بالأمس، هي اليوم درعنا الواقي أمام الفتن والفوضى. والاستقرار الذي ننعم به هو أمانة في أعناقنا، ووفاء للشهداء الذين آمنوا أن الجزائر أمة واحدة لا تتجزأ. الحفاظ على الوحدة واجب وطني وميراث مقدس..
حتى لا ننسى…
ويوم المجاهد ليس رجوعًا إلى الماضي فحسب، بل هو بوصلة نحو المستقبل. نستمد منه العزم لنحوّل الوفاء إلى بناء، والذاكرة إلى قوة، والتاريخ إلى مشروع نهضة وحضلرة.
فلنرددها معًا في قلوبنا وعقولنا: حتى لا ننسى… سنظل أوفياء للوطن، للحرية، للوحدة، ولرسالة الجزائر الخالدة..
وفاء ودعاء
فاللهم ارحم شهداء الجزائر الأبرار، وأنزلهم منازل الصديقين والشهداء والصالحين. اللهم اجزِ المجاهدين الأوائل خير الجزاء، وبارك في من بقي من جيلهم بيننا، وألهم أبناءنا حب الوطن والوفاء لقيمه. اللهم اجعل الجزائر آمنة مطمئنة، موحدة الكلمة، قوية البناء، سامقة في العلياء، كما أحبها شهداؤها الأبرار. الاهم انصر أهلنا في غزة وفلسطين واهزم أعداءنا اليهود ومن أيدهم وناصرهم وأعانهم.. اللهم آمين..