تحالف المخزن و”إسرائيل” في ميزان التحليل الاستراتيجي
لم يكن قبول الكيان الصهيوني تطبيع المخزن معه ارتجاليا ولا عفويا، ولا بهدف ضم المغرب إلى قائمة المطبعين العرب لينفخها، لكن وراءه أهداف استراتيجية عميقة ضحيتها، بالدرجة الأولى، هي القارة الإفريقية. فالمخطط الإسرائيلي المغربي، بدعم أمريكي نشط، بدأ بخطوة التطبيع مع المغرب، ومن البديهي أن تكون موريتانيا- إذا لم تمانع- هي الدولة اللاحقة للانضمام إليه. […] The post تحالف المخزن و”إسرائيل” في ميزان التحليل الاستراتيجي appeared first on الشروق أونلاين.


لم يكن قبول الكيان الصهيوني تطبيع المخزن معه ارتجاليا ولا عفويا، ولا بهدف ضم المغرب إلى قائمة المطبعين العرب لينفخها، لكن وراءه أهداف استراتيجية عميقة ضحيتها، بالدرجة الأولى، هي القارة الإفريقية. فالمخطط الإسرائيلي المغربي، بدعم أمريكي نشط، بدأ بخطوة التطبيع مع المغرب، ومن البديهي أن تكون موريتانيا- إذا لم تمانع- هي الدولة اللاحقة للانضمام إليه. بعد ذلك، هناك مشاريع بناء موانئ في مدينتي الداخلة ولكويرة الصحراويتين، وشراء ميناء مدينة نواذيبو الموريتانية، وهذه الموانئ المحتملة ستكون ممولة من طرف الولايات المتحدة، الإمارات وبشراكة مغربية إسرائيلية.
منذ طبّع نظام المخزن مع الكيان الصهيوني، وتبادلا السفراء وتبادلا الأحضان والقُبل والعناق، انتبه المختصون في العلاقات الدولية وفي الاستشراف الاستراتيجي إلى خفايا اللعبة الإسرائيلية البعيدة المدى التي يشارك فيها المخزن، وبدؤوا يدقون ناقوس الخطر، ويرفعون أصواتهم محذرين من خطر تحالف هذين النظامين الخارجيْن عن القانون الدولي-إسرائيل والمغرب- على منطقة شمال غرب إفريقيا، وعلى منطقة البحر المتوسط وعلى منطقة الساحل، وأنهما سيعرّضان أمن شعوب المنطقة برمتها للخطر ببحثهما عن خلق الفوضى وعن نشر الحروب وعن التوسع في كل الاتجاهات وعن الاحتكار. يَعتبر المراقبون أن الكيان الصهيوني يفهم أن البلدان العربية التي طبّعت معه أنها خضعت له، ويفهم “السلام” الذي وقعته معه أنه استسلام، ويُخضِع كل العلاقات معها-الأنظمة المطبعة- لهذه النظرية وهذا الفهم، وأي بلد طبّع معه يسيطر عليه، يستغله ليكون دركيا في المنطقة التي يوجد بها. بعد إخضاع المغرب لنظريته ولسلطته وربطه بالتطبيع، انطلق الكيان الصهيوني، بدعم من الولايات المتحدة، في مخططه في شمال غرب إفريقيا بالسرعة القصوى: استولى على الاقتصاد المغربي، استولى على مزارع الحشيش والمخدرات في شمال المغرب وشرّع غرسها وزرعها واستهلاكها، شرّع الدعارة، استولى على المياه البحرية الصحراوية للتنقيب عن الغاز والبترول، ثم انطلق نحو الجنوب يخطط لبناء الموانئ على شواطئ المحيط الأطلسي. تواجد الكيان الصهيوني المزعج في المغرب، ومحاولة تمدده نحو الصحراء الغربية وموريتانيا وبعد ذلك نحو الساحل وقلب إفريقيا، جعل الأصوات ترتفع في كل دول المنطقة محذرة من مستقبل مضطرب ستعرفه منطقة شمال غرب إفريقيا والساحل بسبب هذا التحالف الإسرائيلي- المغربي القذر. فحسب كل التوقعات، لن يتردد المغرب وإسرائيل وحلفاؤهما في اللجوء إلى الحروب والقوة وخلق الفوضى والدوس على كرامة الشعوب وخلق القلاقل، في سبيل الوصول إلى أهدافهم الاحتكارية الماكرة، وهذا سيقود، حتما، إلى توقع حدوث حروب ومشاكل لا حصر لها في إفريقيا مستقبلا.
كل التحليلات اتفقت على خطورة ما هو قادم في منطقة شمال غرب إفريقيا وفي افريقيا عموما بسبب هذا المخطط الشيطاني. لنأخذ بعض النماذج من تحذير المختصين الاستراتيجيين من خطر تحالف المخزن وإسرائيل، وسنرى أنهم، كلهم، يتفقون على تشخيص الخطر، وعلى السيناريو المتوقع. تحت عنوان: “المغرب وإسرائيل: تحالف جيوسياسي شبه إمبراطوري للسيطرة على شمال إفريقيا”، كتب الأستاذ الإسباني الكبير كانديدو كلافيس، تحليلا استراتيجيا في جريدة Canarias semanal بتاريخ 22 ماي، يقول فيه: “إن التحالف بين المغرب وإسرائيل يمثل شراكة استراتيجية ذات آثار اقتصادية وعسكرية وجيوسياسية كبيرة. ومع ذلك، فقد ولّد هذا التحالف أيضًا توترات على المستويين الوطني والدولي، وأثار انتقادات من قطاعات مختلفة تشكك في شرعية الإجراءات المتخذة في الصحراء الغربية، والتعاون مع إسرائيل في سياق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”. ويتطرق المحلل المذكور إلى نقطة مهمة في التحالف بين المخزن وإسرائيل، ويقول إن المغرب، في هذا التحالف، سيلعب دور الدركي في فتح إفريقيا أمام إسرائيل، وفي رعاية المصالح الإمبريالية. يقول المحلل: “إن ما يحدث مع التحالف بين المغرب وإسرائيل لا يمكن فهمه على أنه مجرد اتفاق دبلوماسي بين دولتين. وإذا نظرنا عن كثب إلى الخريطة الجيوسياسية، فإننا نكتشف شيئا أكثر تعقيدا بكثير: استراتيجية مدروسة من قِبل الدول الكبرى المهيمنة لتعزيز سيطرتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية على كامل شمال إفريقيا(..). اليوم يتصرف المغرب كما هو في الواقع: أداة لمصالح رأس المال العابر للحدود الوطنية، متحالف مع القوى الإمبريالية وخاضع لها. وما معنى أن تكون الدولة دركيا (في منطقة ما)؟ يعني ذلك العمل كوكيل للنظام الرأسمالي الدولي في منطقة ما، وإدارة القمع الداخلي – ضد الشعب الصحراوي، على سبيل المثال- والتعاون بشكل نشط في الدفاع عن المصالح الأجنبية، وخاصة مصالح الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل. وبالتالي، فإن التحالف مع إسرائيل لا يستجيب لمصالح وطنية أو استراتيجية مجردة، بل يستجيب، أيضا، لحاجة محددة للمَلكية المغربية والطبقات القوية التي تدعمها: البقاء في السلطة، وضمان دعم أقوى القوى في النظام الإمبريالي، والحفاظ على دورها وتعزيزه كدولة دركية في المنطقة”.
ويتفق الأستاذ الكبير مانويل ميدينا، أستاذ القانون الإسباني مع الأستاذ كانديدو كلافيس، فيكتب تحت عنوان مشابه، في جريدة Kaosenlared بتاريخ 23 ابريل 2025م، قائلا: إسرائيل والمغرب: تحالف يعيد تشكيل مثلث المغرب والصحراء الغربية وجزر الكناري جيوسياسيًا.
“إن البعد الأكثر إثارة للقلق في الوجود الإسرائيلي في الصحراء الغربية هو بلا شك البعد العسكري (والاقتصادي). لقد أدى التعاون بين تل أبيب والرباط إلى تواجد مدربين وفنيين ومستشارين عسكريين إسرائيليين يعملون على الأرض(…). كما يشتبه في أن إسرائيل تقوم، أيضًا، ببناء قاعدة تجسس في الشريط الأطلسي الضيق بين الكركرات والكويرة، وهي جيب جيوستراتيجي يطل على المحيط الأطلسي والطرق البحرية بالقرب من جزر الكناري”. ولا يشمل التخوف من التحالف الإسرائيلي المغربي فقط دول المنطقة، لكن يشمل إسبانيا، خاصة جزر الكناري التي تعتبر نفسها مهددة، أيضا، من طرف هذا التحالف لقربها من سواحل الصحراء الغربية المحتلة. وحسب رأي خبير آخر هو بريتو كريمينتو، أستاذ الصحافة والاتصال، والذي نشره موقع Noticiaspía يوم 5 مايو 2025م، فإن “خلف التحالف بين المغرب وإسرائيل، لا توجد مصالح تكتيكية أو اتفاقيات تجارية فحسب. إن ما يجمع بين هذين النظامين هو نفس المنطق الاستعماري المتمثل في الاستيلاء على الأراضي وحرمان الشعوب من حق تقرير المصير. إن الصهيونية، باعتبارها الأيديولوجية السياسية للمشروع الإسرائيلي، وتوسع المخزن المغربي- النخبة الملكية المركزية – تشتركان في جذور هيكلية: فكلاهما شكل من أشكال الاستعمار مدعوم بروايات تاريخية اخترعها الغرب وحماها”.
في دراسة إسرائيلية نشرها “معهد القدس للاستراتيجية والأمن”، كتبها كل من المحلل العسكري الإسرائيلي اران لمان بمساعدة نسيم كرواد، بعنوان: “العلاقات المغربية الإسرائيلية: آفاق جديدة وآفاق التعاون في إفريقيا”، ونشرها موقع المعهد المذكور بتاريخ 1غشت 2024م، يقولان فيها: “علاوةً على البعد الثنائي، وللأسباب الاستراتيجية نفسها التي تدعمه، يتمتع البلدان بموقعٍ جيدٍ لعرض تعاونهما المحتمل في إفريقيا على أنه مفيدٌ لمصالح الولايات المتحدة وأوروبا، والدول “المتشابهة التفكير” – أي الدول المؤيدة للغرب في المنطقة- والسعي للحصول على دعمها في مثل هذه المشاريع. قد يكون هذا مشابهًا لنموذج الدعم والاستثمار الذي تم إنشاؤه من خلال المثلث الإسرائيلي-الأردني-الإماراتي. بمجرد إحيائه، يمكن لـ”منتدى النقب” أن يلعب دورًا داعمًا، وكذلك الاتحاد من أجل المتوسط”.
إن الخطر الذي يشكله التحالف الإسرائيلي المغربي على منطقة شمال غرب إفريقيا وعلى القارة ككل، وعلى ضفة المتوسط الشمالية، يتعاظم باستمرار خاصة أن هناك قوى أخرى تدعمه مثل فرنسا والإمارات والولايات المتحدة. إن الذي عرقل هذا الخطر، إلى حد الآن، هو-بالإضافة إلى وجود حرب في الصحراء الغربية، ومحاولة موريتانيا الممانعة- وجود الجزائر كقوة إقليمية قوية في المنطقة، تحرص باستمرار على أن لا يتم اختراق إفريقيا من خاصرتها الشمالية من طرف الكيان الصهيوني وحلفائه.
شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين
The post تحالف المخزن و”إسرائيل” في ميزان التحليل الاستراتيجي appeared first on الشروق أونلاين.