صلابة الدين وحدود القول الفلسفي
أ. عبد القادر قلاتي/ لا يمكن للفلسفة أن تجيب عن أيّ سؤال من أسئلة الإنسان الأول أو الإنسان الأخير؛ لأنّها ببساطة تفتقد منطق الوثوقية حيال أيّ سؤال، وعندما نقرأ نصوصًا لفلاسفة كبار، خاضوا غمار الإجابة عن الاسئلة الوجودية، ندرك أنّها -أي الفلسفة – مجرد رياضة فكريّة وتدريب على محاولة الجواب عن تلك الأسئلة الوجودية المنتهية، …

أ. عبد القادر قلاتي/
لا يمكن للفلسفة أن تجيب عن أيّ سؤال من أسئلة الإنسان الأول أو الإنسان الأخير؛ لأنّها ببساطة تفتقد منطق الوثوقية حيال أيّ سؤال، وعندما نقرأ نصوصًا لفلاسفة كبار، خاضوا غمار الإجابة عن الاسئلة الوجودية، ندرك أنّها -أي الفلسفة – مجرد رياضة فكريّة وتدريب على محاولة الجواب عن تلك الأسئلة الوجودية المنتهية، أو تلك الأسئلة المتجدة ودائمة الحضور، أما الدين فجوابه نهائيّ ووثوقيّ، يريح الإنسان من ضغط الأسئلة الملحّة وشدّتها على العقل والنّفس، ويمكن للفلسفة أن تكون تابعة للمنطق الديني، بمعنى الرّجوع الدائم لنّصوصه التأسيسيّة واستحضارها حيال الأسئلة الكبرى التي لا ينفع معها القول الذي ينشئه الإنسان المحدود (محدود: العقل، والمعرفة، والعمر)، لكنها -أبدًا- لن تكون موازية له.
بالأمس كنت استمع لمحاضرة ألقاها الفيلسوف التونسي فتحي المسكيني، ادركت من خلال حديثة أنّ تحولاً فكريًا واضحًا حدث للرّجل، بدليل قوله: كنت أقول كذا… لكنني أصبحت اليوم أرى كذا… وتكرّرت هذه الصورة اللغوية في ثنايا تفسيره للتحوّلات الجديدة في عالمنا اليوم مع نقد علميّ جيّد لمفردات الحداثة الغربية، يؤكد من خلاله بؤس القول الفلسفي في أحكامه النّهائية التي وردت على لسان بعض الفلاسفة ومن قلدهم في الغرب أو في الشرق.. لا أقول أنّ الدين انتصر أمام مجمل ما أنتجه الفكر الفلسفي؛ لأنّ الدين لا يدخل معارك فكريّة، بل يتعرض لها من قبل الموهومين بالقول الفلسفي، فيصمد دون أن يقابل هذه المعارك الفكريّة المعادية، بأيّ رد، فتتهاوى في طيات النسيان والتجاوز، ليكسب الدين هذه المعارك دون جهد قليل أو كثير، ولا نقول أنّ المنتصرين للدين لم يقدموا ما يقوي شوكة الدين عبر تاريخ هذ الصراع، انما نقول ان الجانب الاقوى والأوسع في الصراع بين الحق والباطل، هو للدين ذاته؛ فهو يحمل الحقيقة الشاملة، والأجوبة النّهائية، والسردية المقنعة للوجود، فهذه القوة هي من يقف أمام هذا الزخم من الآراء والفلسفات الطافحة بالمغالطات والأقوال الفاسدة، التي لا تزيد الإنسان إلاّ تيهانا وشرودا عن الحق… أليس فيما قلنا حقيقة يدركها الإنسان السويّ؟…