هكذا علوا في الأرض وهكذا نهزمهم
أ. عبد العزيز كحيل/ مطلع سورة الإسراء لا يتكلم عن بني اسرائيل بل يخاطبهم، يوجه إليهم خطابا دقيقا عن تطورعلاقتهم بالمسلمين منذ البعثة المحمدية إلى حين بلوغهم ذروة العلو والفساد التي تؤذن بانهزامهم النهائي. «لتفسدن في الأرض مرتين»: التاريخ ينبئنا بأن المرة الأولى كانت أيام البعثة ثم ناصبوا الإسلام العداء رغم تسامحه معهم واحتوائه لهم …

أ. عبد العزيز كحيل/
مطلع سورة الإسراء لا يتكلم عن بني اسرائيل بل يخاطبهم، يوجه إليهم خطابا دقيقا عن تطورعلاقتهم بالمسلمين منذ البعثة المحمدية إلى حين بلوغهم ذروة العلو والفساد التي تؤذن بانهزامهم النهائي.
«لتفسدن في الأرض مرتين»: التاريخ ينبئنا بأن المرة الأولى كانت أيام البعثة ثم ناصبوا الإسلام العداء رغم تسامحه معهم واحتوائه لهم في الدولة الناشئة كمواطنين كاملي الحقوق، فانحازوا إلى العدو الخارجي زمن الحرب، إلى جانب أنواع من الغدر والفساد، أما المرة الثانية فهي بلا ريب هذا العصر الذي بلغ فيه أوج الطغيان والظلم والبغي، وبين المرتيْن شهد العالم ألوانا من فسادهم خاصة في أروبا الوسطى والشرقية حتى ثارت عليهم الشعوب وقمعتهم وألجأتهم إلى السكن في جيتوهات اتقاء لشرّهم.
«فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا»: في المرة الأولى بعث الله الصحابة فواجهوهم بحزم وكسروا شوكتهم وأجلوهم في نهاية المطاف من الجزيرة كلها، ونلاحظ هنا هذا التعبير الدقيق: «عبادا لنا أولي بأس شديد»، فهو يلخص ما يميز الجيل الذي يهزم اليهود ويكفّ عدوانهم ويمكّن للمسلمين عليهم، و يشير من جهة إلى تخليص الانتماء للإسلام بعيدا عن أي وشيجة أخرى، وتجريد الانتساب لرب العالمين والتشرف بذلك بعيدا عن أي إيديولوجيا أخرى مهما كانت، أي هو الولاء والبراء في أنصع صوره، إذ لا ينصر الله إلا من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه نبيا ورسولا، أما من الجهة الأخرى فهناك البأس الشديد وهو يشمل القوة بكل أشكالها من قوة الشخصية إلى الإعداد المادي أو بتعبير أوضح: قوة الإيمان والعقيدة، وقوة الأخوة والوحدة، وقوة الساعد والسلاح.
«ثم رددنا لكم الكرة عليهم»: تمرّ الأيام، ويبتعد المسلمون شيئا فشيئا عن مصدر قوتهم، ويضعفون، ويتفرقون، ويتنازعون فيصبحون فريسة سهلة تتداعى عليها الأمم، ويعيد الله الكرة لليهود وفق سننه الغالبة التي لا تحابي أحدا، فيحتلون أرضهم المقدسة، ويستعلون عليهم بكل أشكال الاستعلاء، ويعيثون فسادا في طول البلاد وعرضها من غير أن يردعهم أحد إلا بقية من أصحاب السمت الإسلامي والنخوة العربية في غزة الشامخة.
«وأمددناكم بأموال وبنين»: الواقع المعاصر ينطق بأن هذه الفترة هي المقصودة بقول الله الكريم، فاليهود متحكمون في مصادر المال على مستوى العالم من خلال البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وكبرى البنوك المسيطرة على الدورة المالية كلها، أما البنون فأولا مع أنهم قلة عددية إلا أن عددهم في تزايد كبير على مستوى العالم، وثانيا هناك مسألة تسترعي الانتباه هي ما تؤكده الأبحاث الأكاديمية والتحريات الصحفية من وجود عائلات كثيرة وكبيرة متنفذة في البلاد العربية تحمل أسماء إسلامية وهي يهودية خالصة عقيدة وانتماء للصهيونية، وما زالت قضية د.عائشة غطاس الجزائرية محل تساؤلات ملحة بعد مقتلها الغامض في بيتها وسرقة أجهزتها وأوراقها وهي التي تتبعت بالبحث والتنقيب قضية هذه العائلات في الجزائر…إذًا أمدهم الله – لحكمة يعلمها – بالأموال والبنين سواء كانوا من أصلابهم أو من المتصهينين العرب وغير العرب الذين أصبحت الدنيا تزخر بهم.
و»جعلناكم أكثر نفيرا»: هذه الكثرة في الأموال والبنين ليست غثائية بل هي فاعلة لكن في الشر والفساد، فاليهود يجدون في خدمتهم الغرب كله وكثيرا من الأنظمة العربية والإسلامية لذلك يتمادون في إبادة غزة وإذلال الأنظمة العميلة والتمادي في ذلك، يقصفون من يريدون، متى يريدون، أينما يريدون…هذا الاستنفار نتيجة لتطويع العالم الغربي لهم باسم الإنجيلية والمظلومية مما أتاح لهم التحكم الكبير في الرأسمالية العالمية وروافدها من سينما وإعلام بكل أنواعه.
«فإذا جاء وعد الأخرة»: أي المرة الثانية، وهي المرحلة التي تلي أيامنا البئيسة هذه.
«ليسوؤوا وجوهكم»: هذه التعبير القرآني البليغ يجد تفسيره فيما لحق بالعدو الصهيوني يوم 7 أكتوبر وبعده، فكم سيئت وجوه اليهود الذين روّجوا أنهم كيان لا يُقهر، وها هي المقاومة في غزة تمعن في تشويه سمعتهم حتى ظهرت حقيقتهم للعالم كله بعد أن خدعوه ردحا من الزمن، وسيعودون إلى «ضربت عليهم الذلة إلا بحبل من الله (التمسك بالدين قبل تحريفه) وحبل من الناس (أمريكا ومن معها )، سينفض عنهم الناس ويفقدون سيطرتهم، وقد تولى أحرار العالم كشف زيف اليهود وفضحوهم وبدؤوا ينقلبون عليهم وبدأ التضييق عليهم في اوروفيزين، كأس العالم، دورة الدراجات في اسبانيا.
بعد هذا تأتي المرحلة الأخيرة وهي عجيبة غريبة: «وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة»…وجه الغرابة أنه في المرة الأولى دخل المسلمون بقيادة عمر المسجد الأقصى بلا قتال، وسيتكرر الأمر ثانية، كيف؟ معنى ذلك أن الكيان الصهيوني سيفقد قوته وستكون الأسباب في صف المسلمين حتى ينطق الحجر والشجر، ولن يكون هناك دور لهذه الجيوش العربية التي صدئت أسلحتها.