الطالب وتحقيق المطالب!

أ.د: عبد الحليم قابة رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائرييـن/ يوم الطالب إحدى المحطات البارزة في تاريخ بلادنا وصفحات ديوان كفاحنا وجهادنا ضد عدوِّنا، وهي ذكرى خالدة في ضمائرنا. وهو يوم تاريخي مهم في بلادنا الحبيبة لأنه يُخلّد إضراب الطلبة الجزائريين عن الدراسة ، الذي كان يوم 19 ماي 1956 وكان ذلك استجابةً لنداء جبهة التحرير …

مايو 19, 2025 - 13:01
 0
الطالب وتحقيق المطالب!

أ.د: عبد الحليم قابة
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائرييـن/

يوم الطالب إحدى المحطات البارزة في تاريخ بلادنا وصفحات ديوان كفاحنا وجهادنا ضد عدوِّنا، وهي ذكرى خالدة في ضمائرنا. وهو يوم تاريخي مهم في بلادنا الحبيبة لأنه يُخلّد إضراب الطلبة الجزائريين عن الدراسة ، الذي كان يوم 19 ماي 1956 وكان ذلك استجابةً لنداء جبهة التحرير الوطني، بمغادرة مقاعد الدراسة للالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني، للمشاركة في الجهاد والقتال ضد الاستعمار الفرنسي، وقد كان ذلك، وكان يوما مشهودا، وقد خلّده تاريخ الجزائر في صفحاته البيضاء، بحمد الله. واستذكار هذه المناسبات – وأمثالها – أمر من الأهمية بمكان، لربط الأجيال بتاريخها، ولكيلا ننسى ما فعلته فرنسا بنا، خصوصا وهي تسعى – إلى الآن – جاهدة لكي ننسى، ولتواصل مسيرة استعبادنا واستغلال عقولنا وثرواتنا ، وأيضا، لكي تستخلص منها ما ينفعنا في واقعنا ووقتنا.

ومما يمكن أن يُستوحى من هذه الحادثة ما يلي:
أولا: كان هذا الإضراب ثم الالتحاق بصفوف جيش التحرير والمجاهدين، دعما قويا لثورة التحرير التي كان لابد من دعمها من جميع أفراد الأمة وفصائلها وهيئاتها. «سنشُدُّ عضدك بأخيك»
ثانيا: كانت هذه الاستجابة دليلا على ثقة الشباب في الثورة التحريرية وسموِّ أهدافها، وعلى قناعتهم بأن الحرية أمر ضروري لمواصلة مسيرتهم العلمية، وللحياة السعيدة. (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون)
ثالثا: تضحية الطلاب بدراستهم ومستقبلهم وآمالهم، كانت أيضا دليلا واضحا على مدى التضحيات التي قدمها الشباب من أجل عز أوطانهم، ونصرة دينهم، ومقاومة عدوهم، وكانت أيضا دليلا على إيمانهم بأن عدو الجزائر والإسلام والعربية لا ينفع معه إلا سنة التدافع، ومسلك الجهاد الراشد والتضحيات العظيمة. «ولولا دفعُ اللهِ الناسَ بعضهم ببعض لفسدت الأرض»
رابعا: كانت هذه الاستجابة بمثابة ضربة موجعة للاستعمار الفرنسي، إذْ فاجأته بمظهر بديع من التلاحم والترابط بين أبناء المجتمع الواحد، والاجتماع على هدف واحد، وهو الأمر الذي تواردت أدلة الشرع ونصائح العلماء على ضرورته كشرط من شروط النصر والتمكين.
(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)
خامسا: كانت هذه الحادثة دليلا – أيضا – على دور النخبة في الجهاد لتحرير الأوطان ولنصرة المستضعفين، ولتحقيق الأهداف العالية، وأن تخلفها عن الصفوف الأولى قد يؤدي إلى الفشل أو الانحراف.
«وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا»
سادسا: ويمكن أن يقال – أيضا – إن هذه الحادثة أثبتت للعالم أن النضال والجهاد لا يتعارض مع التحصيل العلمي، فقد عاد كثير من هؤلاء الطلبة إلى مقاعد الدرس بعد الاستقلال وتولى كثير منهم أمور البلاد وتسييرها.
{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }.
سابعا: كانت هذه الحادثة درسا للأجيال في أهمية القدوة الحسنة في التغيير والإصلاح؛ فإن تضحية كهذه وعملا جبارا كهذا بقي محلّ اعتبار وأخذ الفوائد عبر التاريخ للجزائريين خاصة وللآخرين من المستضعفين عامة. «أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ».
ثامنا: وكشفت هذه الحادثة وأكدت على قضية لطالما أنكرها – أو زهد فيها – بعض من قلَّ فقهه من الدعاة والموجهين وصغار طلاب العلم، وهي أهمية العمل الجماعي المنظم والراشد، وضرورته في نجاح المشاريع والدعوات والمؤسسات، وأن تبعثر الجهود من أسباب الضعف والتخلف والهزائم، وأنه لولا انتظام جهود الثوار في ثورتنا المباركة لما نعمنا نحن الآن بنعمة الاستقلال عن هيمنة المستعمر الغاشم.
«فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما»
تاسعا: كانت هذه الحادثة برهانا ساطعا على أهمية دور الشباب في الثورات وفي التغيير وفي الإصلاح وعن مركزية تأثيرهم في هذه المسارات الخطيرة، وأن التركيز على الشباب في التربية والإعداد والتوجيه والأعمال العظيمة ، سنة كونية، ينبغي للعلماء الراشدين حسن توظيفها والتفاعل معها فيما ينفع ولا يضر، ويبني ولا يهدم، وفيما يرقى بالأمم، وينهض بها في المجالات كلها.
«إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى»
عاشرا: كشفت هذه الحادثة عن أوصاف جميلة كان يتحلى بها هؤلاء الطلبة، نرجو أن يستفيد منها الجيل ؛ منها:
1- توفر الوعي الثقافي والسياسي لديهم، فهم يدركون أن المرحلة التي وصلوا إليها – بعد استنفاد كل الوسائل الأخرى مع المستعمر – لم تٌجد نفعا، وأن الثورة القائمة لا تتحمل التراخي والتأخر والبحث عن حلول أخرى، فبادروا للاستجابة، ونجحوا في تحقيق أهداف القادة والمجاهدين والحمد لله رب العالمين.
2- ومنها: توفر الشجاعة الكافية التي تجلت في المبادرة وعدم التردد للاستجابة للنداء، ولم يحملهم الجبن والخوف على التأخر والتراخي والتماطل.
3- ومنها: إيثار الباقية على الفانية، والرغبة في نيل مراتب الشهداء ومكرمة الشهادة، وإلا فكيف يضحي الإنسان بالدنيا وزخارفها ، ويؤثر عليها الموت في ساحات العز والكرامة، لولا وجود هذا المعنى حيا في كيانهم؟!
وبعد: فإننا نرجو – بهذه المناسبة – أن يستفيد طلاب الحاضر والغد من طلاب الماضي مثل هذه المعاني الجليلة، ويتحلّوا بما أمكن التحلي به من مواطن الاعتبار، ويعملوا بما يمكن العمل به مما يصلح للاقتداء وحسن الاهتداء به في زماننا وظروفنا وواقعنا المتغير، وأن يحملوا همَّ أمتهم ووطنهم ودينهم، فإنهم بذلك يؤدوا الحق الذي عليهم، ويرضوا ربهم، وتَحسن – إن شاء الله – عاقبتُهم.
ملاحظة: من الذكريات المهمة في تاريخ الجزائر عامة والجمعية خاصة، ذكرى وفاة الشيخ الرئيس محمد البشير الإبراهيمي – يوم 20 ماي 1965 – الذي سنخصص افتتاحية العدد القادم – إن شاء الله – للكلام عنه.

موجز أهم أحداث يوم الطالب 19 ماي 1956:
1. الظرف الزمني:
جاء هذا الحدث بعد اندلاع الثورة التحريرية في نوفمبر 1954، وكان لا بد من دعمها من جميع فئات الشعب.
2. المبادرة:
أطلقت جبهة التحرير الوطني نداءً للطلبة من أجل ترك مقاعد الدراسة والانضمام للثورة.
3. الاستجابة:
استجاب الطلبة الجزائريون، خاصة في الجامعات والثانويات، لهذا النداء، ونظموا إضرابًا عامًا عن الدراسة في 19 ماي 1956.
4. التحاقهم بالثورة:
غادر مئات الطلبة مقاعدهم الدراسية، وتوجهوا إلى الجبال والمناطق الريفية للالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني.
5. أثره على الاستعمار:
شكلت هذه الخطوة ضربة معنوية قوية للاستعمار الفرنسي، إذ أظهرت أن الثورة تحظى بدعم فئة مثقفة من الشباب.
______
أهم الفوائد والدروس المستخلصة من هذه الذكرى:
1. قوة الإيمان بالقضية الوطنية
الطلبة قدموا مستقبلهم الدراسي قربانًا لتحرير الوطن، ما يعكس صدق انتمائهم.
2. وحدة الشعب حول هدف مشترك
اتحد جميع أطياف المجتمع، بما فيهم الطلبة، حول هدف الاستقلال.
3. دور النخبة المثقفة في التغيير
برز دور الطلبة كمحرك للثورة ورافعة للوعي السياسي.
4. التحصيل العلمي لا يتناقض مع النضال
كثير من الطلبة عادوا بعد الاستقلال لإتمام دراستهم والمساهمة في بناء الدولة.
5. الوعي السياسي المبكر
أظهر الحدث أن الطلبة كانوا على وعي عميق بالوضع السياسي ومتطلبات المرحلة.
6. الشجاعة في اتخاذ القرار
قرار الإضراب كان محفوفًا بالمخاطر، لكنهم مضوا فيه بشجاعة نادرة.
7. القدوة للأجيال القادمة
ترك الطلبة مثالًا يُحتذى به في التضحية ونكران الذات.
8. أهمية العمل الجماعي المنظم
الإضراب لم يكن عشوائيًا، بل منسقًا ومنظمًا ما ساعد على نجاحه.
9. كشف زيف الادعاءات الاستعمارية
أسقط الحدث مزاعم فرنسا بأن الشعب الجزائري غير ناضج سياسياً.
10. حيوية دور الشباب في النهضة
الحدث دليل حي على أن الشباب هم عماد أي تغيير حقيقي.