العلامة الراحل الشيخ أحمد حماني والاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف

أ. عبد الحميد عبدوس/ مرت يوم السبت 6 سبتمبر2025 الذكرى العاشرة بعد المائة لميلاد العلامة المجاهد الراحل الشيخ، أحمد حماني – رحمه الله- .وقد تزامنت ذكرى ميلاده هذا العام مع الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف (الجمعة 12 ربيع الأول 1447هـ). ولد الشيخ أحمد حماني في 6 سبتمبر1915 الموافق23 شوال 1330 هـ، بدوار بني عيشة ببلدية …

سبتمبر 17, 2025 - 15:00
 0
العلامة الراحل الشيخ أحمد حماني والاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف

أ. عبد الحميد عبدوس/

مرت يوم السبت 6 سبتمبر2025 الذكرى العاشرة بعد المائة لميلاد العلامة المجاهد الراحل الشيخ، أحمد حماني – رحمه الله- .وقد تزامنت ذكرى ميلاده هذا العام مع الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف (الجمعة 12 ربيع الأول 1447هـ). ولد الشيخ أحمد حماني في 6 سبتمبر1915 الموافق23 شوال 1330 هـ، بدوار بني عيشة ببلدية العنصر، دائرة الميلية، ولاية جيجل. تعلم القرآن والمبادئ الأولى في الفقه و أصول الدين، بمسقط رأسه. ومن أجل تمكينه من إكمال دراسته قبل أن تدركه الخدمة العسكرية وسط جيش الاحتلال الفرنسي، قام والده الشيخ محمد وهو من أعيان منطقة جيجل بتغيير تاريخ ميلاد ابنه أحمد من 1915 إلى سنة 1920. بعد بلوغ الطفل أحمد، الخامسة عشر من عمره، سافر إلى قسنطينة في سنة 1930 فأتم حفظ القرآن الكريم بكتاب سيدي أمحمد النجار، ثم انخرط في سلك طلبة الإمام عبد الحميد ابن باديس ابتداء من أكتوبر 1931 إلى سبتمبر 1934. سافر الشيخ حماني إلى تونس، وواصل تعليمه العالي بجامعة الزيتونة، حتى حصل على الأهلية في 1936، ثم على شهادة التحصيل في 1940، وعلى شهادة العالمية في سنة 1943. وكتب منذ شبابه في جرائد جمعية العلماء «الشهاب» و«البصائر». كان العلامة الراحل الشيخ أحمد وطنيا صادقا ومجاهدا شجاعا، فبعد اندلاع ثورة نوفمبر1954 انخرط الشيخ أحمد حماني في ملحمة الجهاد وألقي عليه القبض في 11 أوت 1957 بالعاصمة، ولبث27 يوما في العذاب وبعد محنة التنكيل وصنوف التعذيب على يد قوات المحتل، قدم أمام المحكمة العسكرية التي أصدرت ضده عقوبة الأشغال الشاقة، ونقل إلى السجن المركزي بتازولت (لامبيز).. بعد استرجاع الاستقلال في 1962 عين الشيخ أحمد حماني عضوا في اللجنة المسؤولة عن التعليم في مدينة قسنطينة، ومديرا لمعهد ابن باديس الذي أسسه الشيخ محمد البشير الإبراهيمي سنة 1947. عين رَئِيسا للـمَجْلِس الْإِسْلاَمِي الْأَعْلَى من 1972 إلى1987. ترأس جَمْعِيَّة العلماء المسلمين الجزائريين بعد عودتها إلى النشاط من 1992 إلى تاريخ التحاقه بالرفيق الأعلى سنة في 29 جوان1998 عن عمر ناهز 83 سنة. كان العلامة الشيخ، أحمد حماني، سني العقيدة، مالكي المذهب، سلفي المنهج، باديسي التوجه،.كما كان عضوا مؤسسا في رابطة العالم الإسلامي بجدة..وعضوا بالمجلس الأعلى العالمي للمساجد. ويعتبر من كبار علماء المالكية في العصر الحديث.
شكل موضوع الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، على صاحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، مسألة خلافية ومثار جدل، بل منزلق نزاع وفتنة بين المسلمين في بعض الأحيان، خصوصا في أزمنة فشو الجهل وانتشار التعصب. انقسم فقهاء المسلمين حول مشروعية الاحتفال بهذه الذكرى المجيدة بين فريق مبيح ومحبذ لها، لارتباطها بميلاد أفضل خلق الله الذي كان نورا وبشرى وقدوة للناس أجمعين، وهداية ورحمة للعالمين، وبين فريق منكر ومحذرمن هذا الاحتفال باعتباره بدعة لم يقم بها الرسول صلى عليه وسلم وصحابته الكرام عليهم رضوان الله. ومن أبرز علماء المسلمين الذين أباحوا الاحتفال في العصور السابقة الإمام الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني، والعالم المؤرخ شمس الدين السخاوي، والعالم المفسر والمؤرخ جلال الدين السيوطي، وكلهم اعتبروا الاحتفال بالمولد النبوي الشريف «بدعة حسنة».
ومن الذين أباحوا الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، في عصرنا الحديث قادة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين كالإمام عبد الحميد بن باديس، والعلامة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، ومفتي الجزائر الشيخ أحمد حماني. ومن الذين أنكروا الاحتفال بهده الذكرى من القدماء شيخ الإسلام ابن تيمية، والعالم أبو إسحاق الشاطبي، ومن المتأخرين الشيوخ: ابن باز، ابن عثيمين، والألباني. رغم أن الشيخ أحمد حماني، كان قد أثنى على الحركة الوهابية في توجهها لمحاربة البدع، إلا أنه لم يسايرعلماءهم في تحريم الاحتفال باذكرى المولد النبوي الشريف، وفي تعريف البدعة، فهو يقول. «تَوَهَّمَ قَوْمٌ أَنَّ الِاحْتِفَالَ بِالـمَوْلِدِ بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ تُوجِبُ لِـمَنْ فَعَلَهَا النَّارَ، وَالَّذِي نَعْرِفُهُ مِنْ تَعْرِيف البِدْعَة أَنَّهَا: اِخْتِرَاعُ عِبَادَة جَدِيدَة مِـمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلىَ الله وَلَمْ تَثْبُت فِي شَرْعِهِ. وَلاَ يَصْدُقُ هَذَا التَّعْرِيفُ عَلَى الاِحْتِفَال بِالـمَوْلِد النَّبَوِي لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عِبَادَة خُصِّصَ بِهَا، وَفِيهِ تَسْبِيحٌ وَتَكْبِيرٌ وَتَهْلِيلٌ، وَلاَ صَلاَة خَاصَّة وَلاَ شَعِيرَة كَالأُضْحِيَّة وَزَكَاة الفِطْر، لَكِن فِيهِ مَدْحُ النَّبِي بِالقَصَائِدِ، وَالأَلْعَابِ، وَالتَّوْسُعَة عَلَى العِيَالِ وَلاَ حَرَجَ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ سَمِعَ النَّبِي مَدَائِحهُ مِن شُعَرَائِهِ مِثْل حَسَّان، وَكَعْب بن مَالِك، وعَبْد الله بن رَوَاحَة وَغَيْرهم، ثُمَّ مَا زَالَ الـمُسْلِمُونَ يَمْدَحُونَهُ إِلىَ اليَوْم…ولاَ حَرَجَ فِي ذَلِكَ، وَأُمَّتنَا لاَ تَعْبُدُ مُحَمَّداً، بَلْ تَعْبُدُ رَبَّ مُحَمَّدٍ، وَلاَ تَسْجُدُ لِلْكَعْبَةِ، وَإِنَّمَا تَسْجُدُ لِرَبِّ الكَعْبَةِ، وَمَنْ تَوَهَّم فِيهَا أَوْ اِتَّهَمَهَا بِغَيْرِ مَا قُلْنَا، فَعَلَيْهِ غَضَب الله»َ وقال أيضا: «ميلاَد الرَّسُول الكَرِيم مِيلاَد النُّور وَالرَّحْمَة، وَحَقٌّ عَلَى البَشَرِيَّةِ جَمْعَاء أَنْ تَحْتَفِيَ بِـمَقْدَمِهِ، وَتَحْتَفِلَ بِذِكْرَاهُ اِحْتِفَالاً صَحِيحًا بِإِحْيَاءِ سُنَّتِهِ وَاِقْتِفَاءِ آثَارِهِ وَالتَّعَرُّفِ إِلِى دِينِهِ، وَإِذَاعَةِ شَمَائِله وَإِشَاعَةِ فَضَائِله…وَقَدْ اِعْتَادَتْ الأُمَّة الإِسْلاَمِيَّة كُل سَنَةٍ أَنْ تَحْتَفِيَ بِذِكْرَى مِيلاَدِهِ فِي اليَوْم 12 مِنْ أَوَّل الرَّبِيعَيْنِ، وَأَنْ تَعْتَبِرَ هَذَا اليَوْم عِيداً لَـهَا، يَصْطَبِغُ بِالصَّبْغَةِ الدِّينِيَّةِ، وَإِنْ لَـمْ يَكُن عِيداً دِينِيًّا بِالـمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، لِأَنَّ العيِدَ الدِّينِي الشَّرْعِي هُوَ مَا شُرِعَ فِيهِ عِبَادَاتٌ خَاصَّةٌ بِهِ وَسُنَّت فِيهِ أَعْمَال دِينِيَّة يُؤَدِّيهَا الـمُؤْمِنُونَ، وَأَقْوَال يَقُولُونَهَا وَقُرُبَات يُقَدِّمُونَهَا كَالصَّلاَةِ وَالـخُرُوج إِلَيْهَا، وَالتَّكْبِير وَالتَّهِلِيل، وَتَقْدِيم النُّسُك أَوْ إِخْرَاج الصَّدَقَة الوَاجِبَة، وَأُذِنَ فِيهِ تَبَادُل التَّهَانِي وَحُضُور الأَلْعَاب أَوْ القِيَام بِهَا. فَالشَّارِع هُوَ الَّذِي سَنَّ ذَلِكَ أَوْ أَذِنَ فِيهِ وَقَالَ عَنْهُ: «إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيداً وَهَذَا عِيدنَا». وَلَيْسَ الـمَوْلِد بِعِيدٍ دِينِيٍّ بِـهَذَا الـمَعْنَى، لِأَنَّ الشَّارِعَ لَـمْ يُؤَسِّس فِيهِ عِبَادَة خَاصَّة وَلاَ أَمَرَ بِالاِحْتِفَالِ بِهِ، وَلَكِنَّ الـمُسْلِمِينَ أَحْدَثُوهُ فِي أَعْيَادِهِم القَوْمِيَّة مُنْذ قُرُونٍ كَثِيرَةٍ، وَلَـمْ يُحْدِثُوا فِيهِ عِبَادَة العِيد، وَهُمْ اليَوْم مُجْمِعُونَ عَلَى الاِحْتِفَاءِ بِهِ، وَالِاحْتِفَال بِهِ حُبًّا فِي مُحَمَّدٍ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَفَاء لَهُ، وَتَـمَسُّكًا بِشَرِيعَتِهِ، وَإِعْلاَنًا لِلاِرْتِبَاطِ بِسُنَّتِهِ». وقال أيضا: «ومن اخترع شيئا من عنده ليعبد الله فهو مبتدع ومن ترك شيئا مباحا يريد أن يتقرب بتركه إلى الله فهو مبتدع». رغم أن الشيخ أحمد حماني كان معروفا في الوسط الإسلامي باعتداله ومنهجه السني الوسطي، إلا أنه لم يكن يجامل لا مسؤولا ولا عالما فيما يعتقد أنه الحق .فقد كان مشهورا بصلابته وعدم تفريطه في ثوابت العقيدة ودفاعه عن الحق .
يروي الأستاذ محمد الصغير بلعلام الإطار السابق بوزارة الشؤون الدينية عن معرفته بالشيخ أحمد حماني، قائلا: «طلب منا إصدار فتوى لتشجيع الناس على وضع أموالهم في الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط، غير أن حماني رفض ولم يصدر فتوى في ذلك، وعقدنا اجتماعا درسنا فيه الموضوع، وقال بأن وضع الأموال في الصندوق يدخل ضمن الربا، كما رفض إصدار فتوى سنة 1973 تبيح إنتاج مشروب «بيرا» بنسبة منخفضة من الكحول تحت اسم «ناشطة» لتنشيط سوق المشروبات غير المسكرة ، ودعم الاقتصاد العمومي . ورغم الضغوط التي خضع لها، فقد أصر على تطبيق القاعدة الفقهية القائلة: «ما أسكر كثيره فقليله حرام». كما رفض إصدار فتوى تبيح لعبة «الرهان الرياضي» باعتبارها قمارا غير مشروع.. رغم موقف الشيخ أحمد حماني المصادم لرغبة الحكومة، فقد تمسك الرئيس المجاهد الراحل، هواري بومدين، بالشيخ المجاهد، أحمد حماني، على رأس المجلس الإسلامي الأعلى، رغم كونه هيئة رسمية نابعة للدولة الجزائرية.
أذكر أنني استمعت في سنة 2010 إلى حديث شقيقي الأكبر الشيخ، محمد الشريف عبدوس ـ حفظه الله ـ، المقيم حاليا بولاية ورقلة، والذي كان في سبعينيات القرن الماضي (العشرين) إماما متطوعا بمسجد «السلام» بمناخ فرنسا بأعالي باب الوادي الجزائر، أنه ذهب ذات يوم مع جماعة من أعضاء اللجنة الدينية لمسجد «السلام» إلى الشيخ الداعية الشاعر، أحمد سحنون ـ رحمه الله- الذي كان يلقي دروسه الدينية بمسجد «النصر» بباب الوادي، وسأله مع مرافقيه عن رأيه في بعض المشايخ المعروفين من أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، الذين تولوا مناصب هامة في الدولة وخصوصا في وزارة الشؤون الدينية، ومن بينهم الشيخ حماني، فذكر لهم الشيخ أحمد حماني بكل خير وأثنى على علمه ودينه. وقال لي شقيقي الشيخ محمد الشريف أنه تعجب هو ومن معه من كلام الشيخ سحنون الذي كان يعتبر معارضا للنظام، ورمزا ومرجعية للأئمة الدعاة الأحرار الرافضين للوظيفة في المناصب الحكومية. لأنهم كانوا يعتبرون آنذاك الشيخ، أحمد حماني، من موظفي النظام، واستدرك أخي محمد الشريف قائلا: «لقد تعلمت منذ ذلك اليوم درسا في أخلاق العلماء وفي ضرورة عدم التسرع في الحكم على الرجال عن طريق الأقوال التي تشاع عنهم هنا وهناك»!.